السبت، 26 مارس 2016

استيراد القيم في نظامنا التربوي يحدث انقلابا اجتماعيا

د. عبد الله بن عبيد الحافي
لا يزال البعض ينظر إلى مسألة ''التربية'' بسذاجة وفطرية، فهي اليوم مصطلح سحري يتردد على كل لسان، فكل ما يظن سيئا ومشينا ينسب إلى سوء التربية ورداءتها.
وكل ما يظن خيرا وحسنا ينسب إلى التربية الحسنة دون تحديد المنطلقات ووضوح المعايير، وكذلك الأهداف والغايات المنشودة، فصار مفهوم التربية لدينا مفهوما متعددا متقلبا، وأصبح سلعة تستثمر كباقي السلع الاستثمارية، وهنا تبرز أهمية القيم في مجتمعنا كهدف أعلى تسعى التربية إلى تحقيقه والوصول إليه من خلال تكاتف جميع مؤسسات المجتمع بلا استثناء، فالتربية هي الوسيلة إلى الهدف الذي هو قيم الكمال الديني والإنساني والوطني، وينبغي أن يكون مفهوم التربية في عصرنا اليوم مشتملا على هذه الاتجاهات من خلال استجلاء القيم الدينية والقيم الوطنية والقيم الإنسانية ثم توظيف التربية توظيفا علميا في بناء الفكر المجتمعي المتصالح مع هذه المعطيات القيمية، وإذا لم تتوافر للمجتمع هذه التربية المرتبطة بتلك المبادئ النابعة من دينه وحضارته فلن نكون على هدي أسلافنا، وسينتج عن ذلك تيه فكري سيجلب لنا الفناء والاضمحلال لا محالة.
في المجتمعات الرأسمالية يسير كل شيء في تلك المجتمعات من التربية والتعليم ومرورا بالاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها في ضوء قواعد الرأسمالية، وبالتالي هناك ضبط واتزان في حركة المجتمع وكذلك القول في المجتمعات الماركسية والاشتراكية هناك توافق بين القيم الفكرية ومنظومة التربية والتعليم والتوجيه للمجتمع بعامة.
وبغض النظر عن النقد الذي يوجه إلى تلك النظريات الفكرية الكبرى في عالم اليوم إلا أنها نجحت في إيجاد مجتمعات تؤمن بقيمها وتسعى إلى تحقيقها وتنتهج وسائلها المقننة في نظمها الاجتماعية للوصول إلى أهدافها، وبالتالي فرضت على الجميع احترامها واحترام وجودها ونظرتها للعالم اليوم.
إن من أهم مشكلاتنا التربوية اليوم غياب الأسس والركائز المتفق عليها كقيم وأهداف تسعى التربية بمفهومها الشامل إلى تحقيقها، وأشد صعوبة وتعقيدا صياغة تلك القيم بلغة عصرية محددة المعالم وبطريقة فاعلة في الحياة وملموسة الأثر لدى الأجيال.
إن القول أن ركائز التربية في المجتمعات الإسلامية هي القرآن والسنة حق، لكن الله تعالى لم ينزل كتابا مجملا بل أنزل آيات مفصلات، وما دامت التربية المجتمعية لم تصل إلى تلك التفاصيل لتضع الدواء على الداء، فإن تلك القناعة العامة لا تعدو كونها جهلا مغلفا بإنكار الجهل.
إن آيات الديون لا تعالج جرائم الحدود، إن حمل لوحة (الكتاب والسنة) وشعار (الشريعة الإسلامية) دون فهم ووعي رشيد لا يحل مشكلات المسلمين اليوم.
إن الاعتزاز الحقيقي بالكتاب والسنة وبالشريعة الإسلامية هو باستخراج كنوزها ودررها وأخذها بقوة في ميادين الحياة كافة، ومقارعة النظم والنظريات الوضعية بنظمنا المستمدة من ديننا وحضارتنا، هكذا نحافظ على هويتنا واستقلالنا وتحترمنا الأعداء والأصدقاء.
إن استيراد القيم وتغلغلها في نظامنا التربوي والاجتماعي سيحدث على المديين البعيد والمتوسط انقلابنا اجتماعيا وتغييرا غير محمود، ولا سيما مع غياب أو تغييب قيمه ومبادئه الثابتة، التي يجب أن تكون معيارا ومقياسا لكل قيمة وافدة.










الوطنية .. وأوهام الوطنية

د. عبد الله بن عبيد الحافي
الوطنية صلة بين الإنسان ووطنه, تتجلى في المصلحة المتبادلة, وما يتصل بها من حقوق وواجبات.
الوطنية صفة تلحق بالشخص لانتمائه إلى وطن معين, والوطنية في مفهوم الدولة الحديثة هي معرفة الأفراد ما عليهم من الواجبات وما لهم من الحقوق في مجتمعهم والالتزام بذلك, ومعرفة مركز الدولة بين دول العالم ونظام الحكومة وأساليب إدارتها للمرافق العامة في الوطن. والدولة في الفكر السياسي تقوم على أركان ثلاثة:
الأول: الوطن, وهو الإقليم وهو قطعة من الأرض.
الثاني: الشعب وهم المواطنون المرتبطون بتلك الأرض وذلك الإقليم.
الثالث: الهيئة الحاكمة, وهي السلطة والحكومة, وهذه السلطة لها مظهران: داخلي, ويسمى السيادة الداخلية, ومظهر خارجي يسمى السيادة الخارجية, ينتج عن ذلك شخصية معنوية مستقلة للدولة عن أفرادها, وبها تتمكن من التعاملات الدولية مع الدول الأخرى, ولا تكون الدولة تامة السيادة مع فقد أو نقص شيء مما تقدم, والهيئة الحاكمة وذوو المسؤوليات في الوطن هم أولى الناس بتحقيق صفة الوطنية فيما يأتون ويذرون قولا وعملا, فحماية البلاد والمحافظة على الأمن وإقامة القضاء العادل وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات العامة التي كفلها الشرع, والعناية بالصحة العامة وحماية العمال والأيتام والعاجزين وتنظيم الأعمال والمصالح العامة وما شابه ذلك, كل ذلك هو برهان الوطنية الحقة وما عداه فأوهام لا تثبت بها الوطنية لمدعيها.
الوطن كلمة صغيرة لكن معناها كبير وعظيم في نفوس أبنائه, فالوطنية الحقة تظهر في القيام بالواجب الوطني والنهوض بتبعاته مهما كلف ذلك من جهد ونصب, وعدم الاكتفاء بالتفاخر بما سلف من الأخبار وبما درس من الآثار, فالوطنية ليست شعارا بلا مضمون, كما أنها ليست حكرا للبعض دون الآخرين من أبناء الوطن, وعند الاختلاف والتعدد لا بد من أن تظهر الوطنية والمواطنة كالشمس في رائعة النهار، لأنها الحق.
حقيقة الوطنية في الإسلام هي العمل الصالح الذي يمتد إلى عموم البلاد والعباد وأداء الأمانة والأخذ بأسباب القوة في كل ما من شأنه رفعة الوطن وعز المواطن.
إن العقل الإنساني المشترك تسانده الفطرة السوية شاهدان على أن حب الأوطان مغروز في النفوس البشرية حتى لدى من لا يؤمن بالله واليوم الآخر, ما يدل على أن الوطنية لا تتحقق بمجرد العاطفة وحب الوطن والانتساب إليه ما لم يقترن ذلك بتحمل الأعباء والتكاليف المترتبة على صفة المواطنة بإيمان وعمل وصبر وتواص بالحق ومداومة على ذلك حتى بلوغ الأمل المنشود.
إن إذاعة الأخطاء ونشر العيوب وتتبع العورات دون تقديم الحلول والدواء ليس من العدل ولا من الوطنية, بل هو نوع من التشفي ونشر الفتنة.
إن تصنيف المجتمع الواحد إلى أنواع وتقسيمه تقسيما طبقيا يتبعه تفاوت في العمل والمسؤولية ليس من الوطنية في شيء, بل هو من حظوظ الأنفس وأهوائها.
إن إهمال صفتي الأمانة والكفاءة وعدم مراعاتهما في شاغلي الوظائف العامة تدمير للوطنية.
إن سلب هوية المجتمع بانتقاد عاداته وتقاليده المستقيمة أو شرائعه ومعتقداته الدينية ردة عن الوطنية.
كما أن الإغراق في دعوى الخصوصية والاستثنائية والانغلاق على الذات هو من الجهل بالمكان السحيق, فضلا عن أن يكون من الوطنية والمواطنة الصالحة.
إن إثارة الشقاق والخلاف والاستنكاف عن المشورة والاستبداد بالرأي ووضع الأشياء في غير مواضعها كل ذلك إخلال بالوطنية.
إن الوطنية أمانة تقتضي أن يقع كل من أخل بها تحت طائلة المساءلة والمحاسبة.

لا أضيف جديدا عندما أقول إنه كلما كبرت مسؤولية المواطن لا بد أن يكبر معها شعوره بالوطنية.

التنمية وحقوق الإنسان

د. عبد الله بن عبيد الحافي
التنمية بمفهومها الشامل تجمع بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، فالتنمية الاجتماعية تستهدف تحسين مستوى المعيشة للأفراد، والتنمية الاقتصادية تستهدف القدرة على الإنتاج وتبادل السلع وتقاس بمعيار محدد وهو مقدار نصيب الفرد في الدخل القومي، وتدخل في ذلك تنمية الموارد البشرية، ولكي يبقى المجتمع موحداً متماسك البناء فلا بد أن تطبق الشروط اللازمة لتحقيق هذا الهدف السامي النبيل أخذاً بمبدأ العدالة في كافة الشؤون.
إن قطاع التنمية بجوانبه المتعددة كالتعليم والرعاية الصحية والمرافق الخدمية والإدارية والمواصلات والاتصالات والبُنى التحتية المصاحبة لها، لهو من أشد المتطلبات لكل مواطن ينشد الحياة الآمنة الكريمة.
وتوفير هذا المطلب يحتاج إلى جهود صادقة وسواعد أمينة تنتهج المناهج العلمية التي تقوم على الإحصاء الدقيق والتخطيط الذي يسبق أي عمل وأي قرار فهما يسبقان جميع الوظائف الإدارية الأخرى فهما الأصل لما بعدهما، وأن يكون ذلك في ضوء الحقائق الماثلة للعيان.
حينئذٍ فقط يكون القرار التنموي معتمداً على السند الوطني الحقيقي والسند العلمي المعرفي في قوانين إدارة الدولة، وهذا هو الفارق والعلامة التي تفرّق بين اتباع الأهواء والرغبات الشخصية لمراكز قوى نافذة وبين المصلحة الوطنية العامة وشتّان بين الأمرين، فاستهداف المصلحة الوطنية العامة شرط لمشروعية أي عمل تقوم به الإدارت الحكومية في مجالات التنمية وإلا كان عملها انحرافاً بالسلطة واستغلالاً للنفوذ يدخل فاعله تحت طائلة المسؤولية.
إن كل مواطن مسؤول عن التنمية، والمواطن الموظف تتضاعف مسؤوليته باعتباره مؤتمناً على جزء من التنمية الشاملة.
وحرصاً على تحقيق مبدأ العدالة في التنمية وحماية مصالح المواطنين من الإضرار بها بأي وجه كان، فقد نصَّ نظام الخدمة المدنية على تجريم الموظف عندما يستغل سلطته الوظيفية ونفوذه في تحقيق مصالحه الخاصة مهدراً بذلك مصالح شرائح عريضة من المجتمع وتهميشهم وحرمانهم من حصتهم من التنمية في التعليم العام والعالي أو في الرعاية الصحية أو البلدية أو المرافق الإدارية أو غير ذلك من الحقوق.
كما أن الإخلال بالشروط والمواصفات اللازمة للعمل التنموي وتقديمه بصورة مشوهة لا تحقق الغاية النبيلة التي يطمح إليها ولاة الأمر، بل تعود على المجتمع بالضرر مع كونها وسيلة مستمرة لهدر المال العام هو تعويق لمسيرة التنمية.
لذا فقد جاء في نظام الخدمة المدنية في المادة (12/أ/ب) (يحظر على الموظف خاصة إساءة استعمال السلطة الوظيفية واستغلال النفوذ.
وجاء في اللائحة التفسيرية لهذه المادة: "يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه الخاصة، وعليه استعمال الرفق مع أصحاب المصالح المتصلة بعمله".

وهذا النص يدخل في عمومه جميع موظفي الدولة، فالموظف هو: كل شخص يساهم في خدمة مرفق عام تديره الدولة، وذلك عن طريق شغله بصفة دائمة منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق. إن الإخلال بمبدأ الأمانة والعدالة في التنمية نقض لعُرى الوطنية

المواثيق الدولية وحقوق الإنسان

د. عبد الله بن عبيد الحافي
يعتقد الغربيون والأوروبيون منهم خاصة أن لهم فضل السبق في تقرير حقوق الإنسان والدفاع عنها وأنهم أعرق شعوب العالم في هذا الميدان، وهم فيما بينهم كدول وشعوب متنازعون في مهد نشأة هذا الفكر، فيدعيه الإنجليز، وينازعهم في ذلك الفرنسيون، وتنازعهم أطراف أخرى في نسبة السبق والأفضلية إليها في هذا الميدان. لقد ساهمت أفكار الفلاسفة والمفكرين القائلين بالقانون الطبيعي في إيجاد قاعدة مشتركة كونت نواة لتقرير تلك الحقوق وهدفاً مشتركاً كان سبباً على المدى المتوسط والبعيد في خلق وحدة حضارية أخذت تبرز وتتشكل شيئاً فشيئاً إلى ما نشاهده اليوم من تكاملها في أوجه النشاط الحضاري المختلفة في العالم الغربي ولسنا بصدد الرصد التاريخي لحركة الفكر الفلسفي في مجال حقوق الإنسان، فقد كان في بدايته فطرياً وعفوياً حتى صقلته الألسن والأقلام وانتقل من عالم المثل والنظرية إلى ميادين التطبيق والعمل، وهذه المرحلة الأخيرة تأخذ في الأعم الأغلب شكلين رئيسين.
الأول: الأفكار والآراء المسطورة في كتب المفكرين والمصلحين الاجتماعيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.وهذه لا تجد سبيلها إلى الحياة إلا من خلال الأحزاب وبرامجها والعقائد والتصورات التي تؤمن بها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وواضح أنها تفتقر إلى صفة العموم والتدويل، فالقيم والمبادئ والمرتكزات تختلف باختلاف أيديولوجيات تلك الأحزاب ونظمها.
الثاني: الأفكار والآراء في مجال حقوق الإنسان كمطلب عالمي تتبناه وتنادي به المؤسسات الدولية، ومعلوم أن هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية هي المؤسسة التي يمكن أن يصدق عليها وصف ''الدولية - العالمية''، لأن جميع دول العالم أعضاء في الانتساب إليها، فقد استطاعت في العام 1948م أن تقرّ أول إعلان عالمي وضعي يؤكد على احترام حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي غير آخذة في الاعتبار الاختلافات الجوهرية في المكونات الدينية والثقافية بين شعوب ودول العالم.
تلا هذا الإعلان إعلانان أو عهدان متفرعان من الإعلان العالمي السابق، هما:
1.العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
2.العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وكلاهما صدر عام 1966م، وهذه الاتفاقيات مع الإعلان العالمي يطلق عليها في فقه القانون الدولي اسم ''الشرعية الدولية لحقوق الإنسان'' ويمكن اعتبار هذه الاتفاقيات الثلاث مرجعاً ومصدراً لما تلاها من اتفاقيات دولية أو إقليمية في مجال حقوق الإنسان، فهي إما أن تكون شرحاً وتفصيلاً وتفسيراً لمواد تلك الاتفاقيات، أو تخصيص بعض بنود تلك الاتفاقيات بأفرادها بإعلان أو اتفاقية بسبب ظروف عالمية اقتضت ذلك التخصيص وإعادة الصياغة للبنود السابقة، بما يحقق المقاصد الإنسانية مع الاحتفاظ بأصل المعنى لها، ومن أمثلة ذلك:
-الاتفاقيات الخاصة بمناهضة التعذيب عام 1948م.
-اتفاقية حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة 1974م.
-إعلان حقوق الطفل 1959م.
-اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو) 1981م.
-إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1963م.
-اتفاقية منع الإبادة الجماعية 1948م.
-اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة بشأن الأسرى والجرحى وحماية المدنيين وقت الحرب 1949م والبروتوكولات الملحقين بها عام 1977م.
- الميثاق الخاص بوضع اللاجئين 1951م وما تلاه من بروتوكولات عام 1967م.
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية حقوق العمال والمهاجرين عام 1990م.
ولعل ما تقدم من أبرز الاتفاقيات الدولية، وهناك الكثير من الاتفاقيات القارية والإقليمية والوطنية كلها متفرعة من الإعلان والعهدين السابق ذكرها غالباً.
وعن مدى وجوب الالتزام بما تضمنته هذه الإعلانات والمواثيق، ففقهاء القانون الدولي منقسمون في تكييف هذه الإعلانات والمواثيق وهل لها صفة الإلزام أو أنها مجرد توصيات أدبية؟ ولا شك عند الجميع في أنها لازمة لمن وقَّع عليها وأعلن قبوله لها، أما في الواقع العملي فليس لهذه الإعلانات والمواثيق صفة الإلزام الدولي، فتملك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حق التحفظ على البنود التي ترى أنها لا تتفق مع قيمها أو سيادتها أو ثقافتها العامة، والتحفظ معناه كما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية 1969م هو: ''إعلان من جانب واحد أياً كانت صيغته أو تسميته يصدر عن دولة أو منظمة دولية عند توقيعها أو تأكيدها الرسمي أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى معاهدة، ويهدف منه إلى استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبعض نصوص المعاهدة في تطبيقها على تلك الدولة أو تلك المنظمة''.

والدستور أو النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية يقضي بسيادة الشريعة وحاكميتها على سائر النظم والتصرفات فكل ما يخالف الإسلام مردود أياً كان مصدره، وقد تحفظت المملكة على كثير من البنود والمواد التي تخالف الإسلام أو ثوابتها السياسية العربية والإسلامية في عدد من الإعلانات أو العهود الدولية، رائدها كما تقدم هو اعتمادها الإسلام نظاماً ومنهاجاً للحكم والعلاقة مع الآخرين.

الثقافة.. والتربية

د. عبد الله بن عبيد الحافي
الثقافة بمعناها الواسع تشير إلى مفهوم يشتمل على أسلوب الناس في الحياة وطرق العيش للأفراد والجماعات، كما تشير إلى التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية التي تهتم بتنظيم سلوك الناس وتلبية حاجاتهم في مجتمع (ما).
فهي تعني الإلمام بتقاليد المجتمع وعاداته ومعتقداته وتحديد اتجاهاته، فالثقافة بهذا المفهوم أوسع من الحضارة، التي تكون في هذا السياق مرحلة من مراحل النمو الثقافي للمجتمع، وبقطع النظر عن الاتفاق حول هذا المفهوم للثقافة أو عدمه، تبقى الحقيقة الماثلة للعيان وهي: أن مسألة التربية رهينة للمفهوم الواسع للثقافة.
فالتربية هي: تلك المجهودات والأنشطة العملية التي تهدف إلى إبراز القيم الدينية والثقافية سلوكياً ومهارياً لدى أفراد المجتمع، فهي خلاصة تفاعل بين الدين والحياة بكل ثقافاتها وآدابها الإيجابية.
فكيف تنمو شخصية الفرد، وما أثر هذه الشخصية في الجماعة، وكيف تتم تقوية صلته بالمجتمع الذي ينتمي إليه حتى يصير عاملاً فاعلاً؟
كيف تخلص الفرد من الصفات المناهضة للمجتمع، سواء كان منبع هذه الصفات ذاتياً، أم ظرفياً طارئاً؟
كيف نستطيع أن نُعدَّ الفرد للمجتمع الذي يعيش فيه؟
كل هذه الأسئلة من مهام المخطط للعملية التربوية التي من أبرز ميادينها ميدان التربية والتعليم. فالتعليم جزء من التربية، وليس مرادفاً لها في المفهوم والحقيقة.
وبعيداً عن الدخول إلى ميدان صراع النظريات التربوية الحديثة حول ماهية التربية وحدودها وعلاقتها بالمجتمع، سواء في ذلك النظريات المحافظة أو المتحررة، فعلينا أن نعترف بأننا نعيش في عصر يشهد تحولات سريعة وثورات معرفية متلاحقة، وحاجات متجددة ووسائل وأساليب مبتكرة في ميادين الحياة المختلفة، وكل هذا يدعو إلى إعادة صياغة الأهداف التربوية بشكل أو بآخر في ضوء الأصول والثوابت العليا حتى نتمكن من الاستفادة من تلك المنجزات ونسخرها لخدمة عقيدتنا وبلادنا ولنزرع الثقة في الناشئة بامتلاكهم نواصي أسباب التنمية والمعرفة.
إن مؤسسات التربية والتعليم على اختلاف مستوياتها لا يجوز بأي حال أن تكون بمعزل عن المجتمع وواقعه المعاش وأهدافه وتطلعاته نحو المستقبل، يجب أن تكون المدارس والجامعات مجتمعات تحاكي المجتمع الكبير لا مجمعات معزولة عن المجتمع.
لم يعُد التعليم خدمة تقدمها الدولة تهدف إلى التهذيب والاستقامة فحسب، بل أصبح في هذا العصر من أهم دعامات الإنتاج والتطوير، وتأهيل وإعداد الطاقات المادية والبشرية والطبيعية واستثمارها فيما يعود بالخير على الأمة.
إن مجتمعنا الذي يمثل الشباب الشريحة الأكثر عدداً من أفراده، يجعل المسؤولية مضاعفة على القائمين والمشتركين في العملية التربوية في بلادنا، ويجب أن نكون واثقين من أن كل جهد يبذل وكل مال ينفق في هذا السبيل هو استثمار موفق من الوجوه كافة.
في بلاد كبلادنا يجب ألا توجد ثنائية في التربية والتعليم، فليست ثنائية التعليم الديني والمدني من الإسلام في شيء، لم يكن المسلمون في يوم من الأيام عالة على غيرهم في ميادين العلوم الطبيعية والتجريبية، إلا بعدما انكفأوا عن خوض غمار هذه العلوم تحت تأثير مقولات مغلوطة تكرّس هذه الثنائية، رائدها في ذلك مصالح ومكاسب شخصية متسترة بستار المحافظة على الدين والقيم، نتيجتها ما نراه ونعيشه من تخلف وتقهقر في تلك الميادين الحيوية من ميادين العلم الطبيعي والتجريبي، إن الإسلام لا يمنع من الاهتمام والعناية بالنواحي النفعية، فقد عني المسلمون قديماً بعلم التاريخ وعلوم اللغة وآدابها وفنون الشعر والبلاغة والفصاحة، ولا أضيف جديداً بقولي إن علوم الطلب والهندسة والعلوم الطبيعية أهم بكثير من كثير من تلك العلوم.
ولقد أحسن القائمون على التعليم العالي بتدشين كليات الطب والهندسة والإدارة وغيرها من الكليات الحيوية تحت مظلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فبلادنا في أمسِّ الحاجة إلى تلك الكليات وإلى ما تخرجه من كوادر متسلحة بسلاح العلم والإيمان كي يواصلوا مسيرة من سبقوهم من إخوانهم في الجامعات السعودية الأخرى، فلا ثنائية بين العلم والأبحاث في الإسلام.
كلنا يدرك أن هذا الطريق طويل وشاق لكنه قدر لا بد منه لمن يريد الحياة الكريمة، إن للمربين والمعلمين مثلا حيا للكفاح والنجاح في هذا الميدان، وهو شركة أرامكو السعودية، وهنا سؤال كما يقال يفرض نفسه وهو: ما هي علاقة التعليم الأكاديمي بالتعليم الفني؟ وهو سؤال كبير من يوفق للإجابة عنه فقد أوتي خيراً كثيراً!!
إننا في حاجة إلى تربية ذات مستويات متعددة ومتدرجة تلبي الحاجات الوجدانية العاطفية والحاجات العقلية على حد سواء، فلا يطغى جانب على جانب.
تربية تجعل هذا الجيل يحسن تسلم الميراث العلمي والثقافي ويخرجه بحياته في ضوء ظروفه التي يعيش فيها، كما يحسن تسليم هذا الميراث إلى الجيل الذي يخلفه.

وأخيراً أرى أننا لسنا بحاجة إلى إبداء الأسباب حتى نعالج أو نتحدث عن هذا الموضوع الذي يبدأ ولا ينتهي، فهو موضوع يقلق الآباء والأمهات والمربين على حد سواء.

الحالة العربية .. رأي في الأسباب


د. عبد الله بن عبيد الحافي
فوجئ كثيرون في العالم بسقوط النظام التونسي ثم أعقبه سريعا سقوط النظام المصري، ولا يزال النظام الليبي والسوري واليمني في وضع حرج للغاية، ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة داخلية وخارجية، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل، فالعوامل الداخلية هي العوامل التقليدية لكل سقوط وزوال واندثار والحديث عنها من مكرور القول ومعاده، وأما العوامل الخارجية فهي من الناحية العامة أيضا منوطة بالأعداء في الخارج ومدى قدرتهم على تحقيق أهدافهم في سقوط هذا النظام أو ذاك. أما فيما يتعلق بالحالة العربية الراهنة على وجه الخصوص فإنني أعتقد أن للعلاقة بين الغرب والعالم العربي، التي تمثل عملية السلام بين العرب وإسرائيل إحدى ركائزها المهمة أثرا مباشرا وجوهريا فيما حدث. فالمبادرة العربية مطروحة أمام قادة إسرائيل منذ سنوات وهم رافضون لها، ومع إعلان الجامعة العربية أن السلام هو الخيار الاستراتيجي لحل النزاع، إلا أن هذا لم يعط الإسرائيليين الأمان المطلوب، فهم يعيشون هاجس الخوف والقلق من كل ما يحيط بهم، فالإسرائيليون يعيشون أزمة ذات وهوية، وهذا واضح جدا في كتاب بنيامين نتياهو ''مكان تحت الشمس''، يؤكد هذا مطالبة إسرائيل السلطة الفلسطينية قبل أشهر بالاعتراف بيهودية أرض فلسطين كشرط من مجموعة شروط لاستئناف عملية السلام. هذه العقلية والنفسية التي يتحرك بها حكام إسرائيل لم تر في المبادة العربية ما يلبي مطالبها، وكانت المبادرة هي الحد الأعلى الذي يمكن أن يقدمه النظام العربي الرسمي من خلال جامعة الدول العربية، فبقي الأمر عالقا، وجاءت أحداث غزة لتسجل سقوطا وفشلا ذريعا للنظام العربي الرسمي عاد على الشعوب بخيبة أمل وإحباط، ولا سيما أن الإعلام العربي الرسمي والأجهزة الرسمية الأخرى كانت تتخذ من القضية الفلسطينية ''قميص عثمان''، وتتخذ من ذلك نقطة للتوحد الشكلي الهش، وتعتمد على القضية الفلسطينية كسبب لتأجيل التنمية والإصلاح داخل المجتمعات العربية في ازدواجية لم يعهد لها مثيل في التاريخ البشري كافة، فالمنطق يعلن أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذ ضممنا إلى ما تقدم ما حدث في العقدين الأخيرين من اكتساح واختراق ثقافي واجتماعي وأخلاقي للعالم العربي من قبل العالم الغربي الأمريكي والأوروبي خصوصا، ولم تعد دعوات الخصوصية والاستثناء تقوى على صد ذلك الطوفان الجارف، لأن تلك الدعوات قد أصبحت تجديدية تنظيرية في عالم المثل، لا تمت إلى الواقع بصلة، فلم تكن فاعلة ولا صادقة وأصبحت في نظر الكثير لا تعدو نوعا من الامتياز الحصري الذي يجني ثماره أولئك الداعون وحسب.
فنتج من هذه الحال والواقع سببان كافيان في إحداث ما نعيش الآن بدايته، ولا أحد يعلم كيف ستكون النهاية، وهذا السببان هما:
أولا: الفشل في إدارة مفاوضات مشرفة مع إسرائيل، فضلا عن تحرير فلسطين والشعب الفلسطيني.
ثانياً: تغييب الثقافة الإسلامية عمداً في كثير من البلاد العربية، بل وتوجيه الاتهام إليها وتصنيفها كعائق للحياة المدنية والتقدم والرقي، الذي تنشده تلك الحكومات بزعمها، مما فتح المجال واسعاً لاستيراد القيم والسلوكيات في الإعلام والاجتماع والاقتصاد بمفاهيم العالم الحر مع كونها محكومة بنظام استبدادي، فكان لا بد من حدوث ما حدث، لأن النتيجة لا يمكن أن تتخلف عن السبب.
وملخص القول أن العالم العربي قبل هذه الأحداث الأخيرة يعيش فشلاً سياسياً في العلاقات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أما في الداخل العربي فكان الفساد الإداري والاستبداد بالرأي وسحق كرامة الإنسان، ولا سيما ذوي الرأي والفكر، وهذا ما حدا بكثير من المثقفين والمفكرين والنخب العربية أن تتجه بأنظارها إلى الغرب ونظمه الديمقراطية لطلب المساندة ورفع معاناتهم في بلدانهم، فوقف العالم الغربي ومؤسساته الدولية من هذه الأحداث في الجملة موقف المخلِّص والمنقذ، وهو أمر مقبول من الناحية الإنسانية لرفع معاناة تلك الشعوب المسالمة المعذبة طوال أكثر من أربعة عقود من الزمان، ومهما تكن الأضرار الناتجة عن هذا الوضع، فلن تكون أشد ضرراً من الجناية على الإسلام وأهله ونظمه وتشريعاته التي تمت بشكل منظم على أيدي تلك الأنظمة العربية الراحلة.

الجانب المعرفي في حقوق الإنسان

الجانب المعرفي في حقوق الإنسان
د. عبد الله بن عبيد الحافي
في العقدين الأخيرين أولى كثير من دول العالم حقوق الإنسان أهمية وعناية مع تفاوت فيما بين تلك الدول في إيجاد الضمانات الكافية لحماية هذه الحقوق.
ويحيل كثير من الدول في هذه القضية - معرفة الحقوق - إلى الدساتير والقوانين المعنية، وهذه القوانين قد تنتقص من حقوق الإنسان ابتداءً وقد تتعارض مع قوانين أخرى استثنائية تؤدي في النهاية إلى انتهاك حقوق الإنسان.
وفي السعودية لا تخرج حقوق الإنسان في تقديرها وتصويرها وتنظيمها والدفاع عنها عن القرآن الكريم والسنة النبوية وسنن العدل والفطرة، فمن خلال هذه الأصول يتم فحص الإعلانات والعهود والمواثيق والصكوك الدولية العامة والجزئية منها، وهذا ما نصّت عليه المادة الأولى والمادة الخامسة من نظام هيئة حقوق الإنسان بالسعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (207) وتاريخ 8/8/1426هـ.
بل إن نظام هيئة حقوق الإنسان في السعودية قد جعل من وظائف الهيئة ومسؤولياتها الرئيسة تنمية الوعي ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع كما في المادة الخامسة والمادة الحادية عشرة من نظام الهيئة.
وهذا يقودنا كمواطنين ومهتمين بهذا الشأن إلى أن نتعرف على مصادر حقوق الإنسان في بلادنا لاسيما بعد صدور حُزمة كبيرة من الإصلاحات الإدارية والتنظيمية لجوانب مهمة تمسُّ أمن المجتمع واستقراره ولعل من أهمها الأنظمة العدلية الثلاثة وهي نظام المرافعات ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، كذلك صدور نظامي القضاء وديوان المظالم الجديدين اللذين يمثلان خطوة رائدة وموفقة سيكون لها الأثر الإيجابي في تسهيل وتيسير إجراءات التقاضي والفصل في الخصومات، وقد اشتمل النظامان على تعديلات مهمة تستهدف تحقيق المصلحة العامة وتخدم الهدف العام من نصب القضاة في الإسلام.
وهناك نظامان مهمان يمسّان شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين وهما نظام العمل والعمال ونظام الخدمة المدنية ولوائحها التنفيذية وما طرأ عليها من تعديلات وإضافات وتفسيرات ونحو ذلك، فكثيراً ما نرى ونسمع عن تعثر سير كثير من الحقوق والمصالح بسبب جهل الموظف المختص بحقيقة النظام وما يجب أن يتخذه إزاء قضية معينة فيوقع المواطن والمراجع في حرج شديد, وكان يمكن تفادي هذه الأمور لو فُعّل جانب التطوير والتدريب المستمر بهذه المرافق والمصالح العامة.
إن نشر الثقافة الحقوقية خير عون للمواطن فهي تساعده على توفير وقته وجهده وذلك بأن يعلم حقيقة المشكلة التي تواجهه ويعلم الطريق المؤدي إلى حلها وإنهائها، وتكون هذه المعرفة سبباً في طمأنينته وثبات ثقته بالإجراءات والتدابير النظامية لإنهاء مشكلته والعكس بالعكس.
كما أن العناية بمعرفة الحقوق تتفاوت حسب المسؤولية وكلما زادت مسؤولية المواطن تأكد في حقه العناية بإيصال الحقوق إلى ذويها ممن تحت ولايته وفي نطاق مسؤوليته, وهذا غير ممكن في حق من لم يهتم بهذا الأمر أو يجهله, ففاقد الشيء لا يعطيه، وهذا يقود إلى توجيه الدعوة إلى القطاعات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بإقامة الدورات التدريبية التي تعنى بحقوق الإنسان بشقيها الشرعي والنظامي, وأن يكون من ضمن المستهدفين بهذه الدورات القيادات الإدارية على مختلف مستوياتها، ولو أدرج الحصول على هذه الدورات الحقوقية كشرط للترقية أو شرط للأفضلية فإن هذا مما يصب في هذا الاتجاه وهو نشر الوعي الحقوقي والتأكيد على أهمية الجانب المعرفي الذي لا يمكن فصله عن الواقع العملي.

فهناك مستويان لا بد أن يكونا على علم ودراية بهذا الجانب ولا يكفي معرفة أحدهما بل لابد من معرفة كلا الجانبين لحقوقه وواجباته حتى تكتمل المنظومة وتؤتي ثمارها