السبت، 26 مارس 2016

الوطنية .. وأوهام الوطنية

د. عبد الله بن عبيد الحافي
الوطنية صلة بين الإنسان ووطنه, تتجلى في المصلحة المتبادلة, وما يتصل بها من حقوق وواجبات.
الوطنية صفة تلحق بالشخص لانتمائه إلى وطن معين, والوطنية في مفهوم الدولة الحديثة هي معرفة الأفراد ما عليهم من الواجبات وما لهم من الحقوق في مجتمعهم والالتزام بذلك, ومعرفة مركز الدولة بين دول العالم ونظام الحكومة وأساليب إدارتها للمرافق العامة في الوطن. والدولة في الفكر السياسي تقوم على أركان ثلاثة:
الأول: الوطن, وهو الإقليم وهو قطعة من الأرض.
الثاني: الشعب وهم المواطنون المرتبطون بتلك الأرض وذلك الإقليم.
الثالث: الهيئة الحاكمة, وهي السلطة والحكومة, وهذه السلطة لها مظهران: داخلي, ويسمى السيادة الداخلية, ومظهر خارجي يسمى السيادة الخارجية, ينتج عن ذلك شخصية معنوية مستقلة للدولة عن أفرادها, وبها تتمكن من التعاملات الدولية مع الدول الأخرى, ولا تكون الدولة تامة السيادة مع فقد أو نقص شيء مما تقدم, والهيئة الحاكمة وذوو المسؤوليات في الوطن هم أولى الناس بتحقيق صفة الوطنية فيما يأتون ويذرون قولا وعملا, فحماية البلاد والمحافظة على الأمن وإقامة القضاء العادل وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات العامة التي كفلها الشرع, والعناية بالصحة العامة وحماية العمال والأيتام والعاجزين وتنظيم الأعمال والمصالح العامة وما شابه ذلك, كل ذلك هو برهان الوطنية الحقة وما عداه فأوهام لا تثبت بها الوطنية لمدعيها.
الوطن كلمة صغيرة لكن معناها كبير وعظيم في نفوس أبنائه, فالوطنية الحقة تظهر في القيام بالواجب الوطني والنهوض بتبعاته مهما كلف ذلك من جهد ونصب, وعدم الاكتفاء بالتفاخر بما سلف من الأخبار وبما درس من الآثار, فالوطنية ليست شعارا بلا مضمون, كما أنها ليست حكرا للبعض دون الآخرين من أبناء الوطن, وعند الاختلاف والتعدد لا بد من أن تظهر الوطنية والمواطنة كالشمس في رائعة النهار، لأنها الحق.
حقيقة الوطنية في الإسلام هي العمل الصالح الذي يمتد إلى عموم البلاد والعباد وأداء الأمانة والأخذ بأسباب القوة في كل ما من شأنه رفعة الوطن وعز المواطن.
إن العقل الإنساني المشترك تسانده الفطرة السوية شاهدان على أن حب الأوطان مغروز في النفوس البشرية حتى لدى من لا يؤمن بالله واليوم الآخر, ما يدل على أن الوطنية لا تتحقق بمجرد العاطفة وحب الوطن والانتساب إليه ما لم يقترن ذلك بتحمل الأعباء والتكاليف المترتبة على صفة المواطنة بإيمان وعمل وصبر وتواص بالحق ومداومة على ذلك حتى بلوغ الأمل المنشود.
إن إذاعة الأخطاء ونشر العيوب وتتبع العورات دون تقديم الحلول والدواء ليس من العدل ولا من الوطنية, بل هو نوع من التشفي ونشر الفتنة.
إن تصنيف المجتمع الواحد إلى أنواع وتقسيمه تقسيما طبقيا يتبعه تفاوت في العمل والمسؤولية ليس من الوطنية في شيء, بل هو من حظوظ الأنفس وأهوائها.
إن إهمال صفتي الأمانة والكفاءة وعدم مراعاتهما في شاغلي الوظائف العامة تدمير للوطنية.
إن سلب هوية المجتمع بانتقاد عاداته وتقاليده المستقيمة أو شرائعه ومعتقداته الدينية ردة عن الوطنية.
كما أن الإغراق في دعوى الخصوصية والاستثنائية والانغلاق على الذات هو من الجهل بالمكان السحيق, فضلا عن أن يكون من الوطنية والمواطنة الصالحة.
إن إثارة الشقاق والخلاف والاستنكاف عن المشورة والاستبداد بالرأي ووضع الأشياء في غير مواضعها كل ذلك إخلال بالوطنية.
إن الوطنية أمانة تقتضي أن يقع كل من أخل بها تحت طائلة المساءلة والمحاسبة.

لا أضيف جديدا عندما أقول إنه كلما كبرت مسؤولية المواطن لا بد أن يكبر معها شعوره بالوطنية.

هناك تعليق واحد: