السبت، 26 مارس 2016

استيراد القيم في نظامنا التربوي يحدث انقلابا اجتماعيا

د. عبد الله بن عبيد الحافي
لا يزال البعض ينظر إلى مسألة ''التربية'' بسذاجة وفطرية، فهي اليوم مصطلح سحري يتردد على كل لسان، فكل ما يظن سيئا ومشينا ينسب إلى سوء التربية ورداءتها.
وكل ما يظن خيرا وحسنا ينسب إلى التربية الحسنة دون تحديد المنطلقات ووضوح المعايير، وكذلك الأهداف والغايات المنشودة، فصار مفهوم التربية لدينا مفهوما متعددا متقلبا، وأصبح سلعة تستثمر كباقي السلع الاستثمارية، وهنا تبرز أهمية القيم في مجتمعنا كهدف أعلى تسعى التربية إلى تحقيقه والوصول إليه من خلال تكاتف جميع مؤسسات المجتمع بلا استثناء، فالتربية هي الوسيلة إلى الهدف الذي هو قيم الكمال الديني والإنساني والوطني، وينبغي أن يكون مفهوم التربية في عصرنا اليوم مشتملا على هذه الاتجاهات من خلال استجلاء القيم الدينية والقيم الوطنية والقيم الإنسانية ثم توظيف التربية توظيفا علميا في بناء الفكر المجتمعي المتصالح مع هذه المعطيات القيمية، وإذا لم تتوافر للمجتمع هذه التربية المرتبطة بتلك المبادئ النابعة من دينه وحضارته فلن نكون على هدي أسلافنا، وسينتج عن ذلك تيه فكري سيجلب لنا الفناء والاضمحلال لا محالة.
في المجتمعات الرأسمالية يسير كل شيء في تلك المجتمعات من التربية والتعليم ومرورا بالاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها في ضوء قواعد الرأسمالية، وبالتالي هناك ضبط واتزان في حركة المجتمع وكذلك القول في المجتمعات الماركسية والاشتراكية هناك توافق بين القيم الفكرية ومنظومة التربية والتعليم والتوجيه للمجتمع بعامة.
وبغض النظر عن النقد الذي يوجه إلى تلك النظريات الفكرية الكبرى في عالم اليوم إلا أنها نجحت في إيجاد مجتمعات تؤمن بقيمها وتسعى إلى تحقيقها وتنتهج وسائلها المقننة في نظمها الاجتماعية للوصول إلى أهدافها، وبالتالي فرضت على الجميع احترامها واحترام وجودها ونظرتها للعالم اليوم.
إن من أهم مشكلاتنا التربوية اليوم غياب الأسس والركائز المتفق عليها كقيم وأهداف تسعى التربية بمفهومها الشامل إلى تحقيقها، وأشد صعوبة وتعقيدا صياغة تلك القيم بلغة عصرية محددة المعالم وبطريقة فاعلة في الحياة وملموسة الأثر لدى الأجيال.
إن القول أن ركائز التربية في المجتمعات الإسلامية هي القرآن والسنة حق، لكن الله تعالى لم ينزل كتابا مجملا بل أنزل آيات مفصلات، وما دامت التربية المجتمعية لم تصل إلى تلك التفاصيل لتضع الدواء على الداء، فإن تلك القناعة العامة لا تعدو كونها جهلا مغلفا بإنكار الجهل.
إن آيات الديون لا تعالج جرائم الحدود، إن حمل لوحة (الكتاب والسنة) وشعار (الشريعة الإسلامية) دون فهم ووعي رشيد لا يحل مشكلات المسلمين اليوم.
إن الاعتزاز الحقيقي بالكتاب والسنة وبالشريعة الإسلامية هو باستخراج كنوزها ودررها وأخذها بقوة في ميادين الحياة كافة، ومقارعة النظم والنظريات الوضعية بنظمنا المستمدة من ديننا وحضارتنا، هكذا نحافظ على هويتنا واستقلالنا وتحترمنا الأعداء والأصدقاء.
إن استيراد القيم وتغلغلها في نظامنا التربوي والاجتماعي سيحدث على المديين البعيد والمتوسط انقلابنا اجتماعيا وتغييرا غير محمود، ولا سيما مع غياب أو تغييب قيمه ومبادئه الثابتة، التي يجب أن تكون معيارا ومقياسا لكل قيمة وافدة.










هناك تعليق واحد: