السبت، 26 مارس 2016

استيراد القيم في نظامنا التربوي يحدث انقلابا اجتماعيا

د. عبد الله بن عبيد الحافي
لا يزال البعض ينظر إلى مسألة ''التربية'' بسذاجة وفطرية، فهي اليوم مصطلح سحري يتردد على كل لسان، فكل ما يظن سيئا ومشينا ينسب إلى سوء التربية ورداءتها.
وكل ما يظن خيرا وحسنا ينسب إلى التربية الحسنة دون تحديد المنطلقات ووضوح المعايير، وكذلك الأهداف والغايات المنشودة، فصار مفهوم التربية لدينا مفهوما متعددا متقلبا، وأصبح سلعة تستثمر كباقي السلع الاستثمارية، وهنا تبرز أهمية القيم في مجتمعنا كهدف أعلى تسعى التربية إلى تحقيقه والوصول إليه من خلال تكاتف جميع مؤسسات المجتمع بلا استثناء، فالتربية هي الوسيلة إلى الهدف الذي هو قيم الكمال الديني والإنساني والوطني، وينبغي أن يكون مفهوم التربية في عصرنا اليوم مشتملا على هذه الاتجاهات من خلال استجلاء القيم الدينية والقيم الوطنية والقيم الإنسانية ثم توظيف التربية توظيفا علميا في بناء الفكر المجتمعي المتصالح مع هذه المعطيات القيمية، وإذا لم تتوافر للمجتمع هذه التربية المرتبطة بتلك المبادئ النابعة من دينه وحضارته فلن نكون على هدي أسلافنا، وسينتج عن ذلك تيه فكري سيجلب لنا الفناء والاضمحلال لا محالة.
في المجتمعات الرأسمالية يسير كل شيء في تلك المجتمعات من التربية والتعليم ومرورا بالاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها في ضوء قواعد الرأسمالية، وبالتالي هناك ضبط واتزان في حركة المجتمع وكذلك القول في المجتمعات الماركسية والاشتراكية هناك توافق بين القيم الفكرية ومنظومة التربية والتعليم والتوجيه للمجتمع بعامة.
وبغض النظر عن النقد الذي يوجه إلى تلك النظريات الفكرية الكبرى في عالم اليوم إلا أنها نجحت في إيجاد مجتمعات تؤمن بقيمها وتسعى إلى تحقيقها وتنتهج وسائلها المقننة في نظمها الاجتماعية للوصول إلى أهدافها، وبالتالي فرضت على الجميع احترامها واحترام وجودها ونظرتها للعالم اليوم.
إن من أهم مشكلاتنا التربوية اليوم غياب الأسس والركائز المتفق عليها كقيم وأهداف تسعى التربية بمفهومها الشامل إلى تحقيقها، وأشد صعوبة وتعقيدا صياغة تلك القيم بلغة عصرية محددة المعالم وبطريقة فاعلة في الحياة وملموسة الأثر لدى الأجيال.
إن القول أن ركائز التربية في المجتمعات الإسلامية هي القرآن والسنة حق، لكن الله تعالى لم ينزل كتابا مجملا بل أنزل آيات مفصلات، وما دامت التربية المجتمعية لم تصل إلى تلك التفاصيل لتضع الدواء على الداء، فإن تلك القناعة العامة لا تعدو كونها جهلا مغلفا بإنكار الجهل.
إن آيات الديون لا تعالج جرائم الحدود، إن حمل لوحة (الكتاب والسنة) وشعار (الشريعة الإسلامية) دون فهم ووعي رشيد لا يحل مشكلات المسلمين اليوم.
إن الاعتزاز الحقيقي بالكتاب والسنة وبالشريعة الإسلامية هو باستخراج كنوزها ودررها وأخذها بقوة في ميادين الحياة كافة، ومقارعة النظم والنظريات الوضعية بنظمنا المستمدة من ديننا وحضارتنا، هكذا نحافظ على هويتنا واستقلالنا وتحترمنا الأعداء والأصدقاء.
إن استيراد القيم وتغلغلها في نظامنا التربوي والاجتماعي سيحدث على المديين البعيد والمتوسط انقلابنا اجتماعيا وتغييرا غير محمود، ولا سيما مع غياب أو تغييب قيمه ومبادئه الثابتة، التي يجب أن تكون معيارا ومقياسا لكل قيمة وافدة.










الوطنية .. وأوهام الوطنية

د. عبد الله بن عبيد الحافي
الوطنية صلة بين الإنسان ووطنه, تتجلى في المصلحة المتبادلة, وما يتصل بها من حقوق وواجبات.
الوطنية صفة تلحق بالشخص لانتمائه إلى وطن معين, والوطنية في مفهوم الدولة الحديثة هي معرفة الأفراد ما عليهم من الواجبات وما لهم من الحقوق في مجتمعهم والالتزام بذلك, ومعرفة مركز الدولة بين دول العالم ونظام الحكومة وأساليب إدارتها للمرافق العامة في الوطن. والدولة في الفكر السياسي تقوم على أركان ثلاثة:
الأول: الوطن, وهو الإقليم وهو قطعة من الأرض.
الثاني: الشعب وهم المواطنون المرتبطون بتلك الأرض وذلك الإقليم.
الثالث: الهيئة الحاكمة, وهي السلطة والحكومة, وهذه السلطة لها مظهران: داخلي, ويسمى السيادة الداخلية, ومظهر خارجي يسمى السيادة الخارجية, ينتج عن ذلك شخصية معنوية مستقلة للدولة عن أفرادها, وبها تتمكن من التعاملات الدولية مع الدول الأخرى, ولا تكون الدولة تامة السيادة مع فقد أو نقص شيء مما تقدم, والهيئة الحاكمة وذوو المسؤوليات في الوطن هم أولى الناس بتحقيق صفة الوطنية فيما يأتون ويذرون قولا وعملا, فحماية البلاد والمحافظة على الأمن وإقامة القضاء العادل وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات العامة التي كفلها الشرع, والعناية بالصحة العامة وحماية العمال والأيتام والعاجزين وتنظيم الأعمال والمصالح العامة وما شابه ذلك, كل ذلك هو برهان الوطنية الحقة وما عداه فأوهام لا تثبت بها الوطنية لمدعيها.
الوطن كلمة صغيرة لكن معناها كبير وعظيم في نفوس أبنائه, فالوطنية الحقة تظهر في القيام بالواجب الوطني والنهوض بتبعاته مهما كلف ذلك من جهد ونصب, وعدم الاكتفاء بالتفاخر بما سلف من الأخبار وبما درس من الآثار, فالوطنية ليست شعارا بلا مضمون, كما أنها ليست حكرا للبعض دون الآخرين من أبناء الوطن, وعند الاختلاف والتعدد لا بد من أن تظهر الوطنية والمواطنة كالشمس في رائعة النهار، لأنها الحق.
حقيقة الوطنية في الإسلام هي العمل الصالح الذي يمتد إلى عموم البلاد والعباد وأداء الأمانة والأخذ بأسباب القوة في كل ما من شأنه رفعة الوطن وعز المواطن.
إن العقل الإنساني المشترك تسانده الفطرة السوية شاهدان على أن حب الأوطان مغروز في النفوس البشرية حتى لدى من لا يؤمن بالله واليوم الآخر, ما يدل على أن الوطنية لا تتحقق بمجرد العاطفة وحب الوطن والانتساب إليه ما لم يقترن ذلك بتحمل الأعباء والتكاليف المترتبة على صفة المواطنة بإيمان وعمل وصبر وتواص بالحق ومداومة على ذلك حتى بلوغ الأمل المنشود.
إن إذاعة الأخطاء ونشر العيوب وتتبع العورات دون تقديم الحلول والدواء ليس من العدل ولا من الوطنية, بل هو نوع من التشفي ونشر الفتنة.
إن تصنيف المجتمع الواحد إلى أنواع وتقسيمه تقسيما طبقيا يتبعه تفاوت في العمل والمسؤولية ليس من الوطنية في شيء, بل هو من حظوظ الأنفس وأهوائها.
إن إهمال صفتي الأمانة والكفاءة وعدم مراعاتهما في شاغلي الوظائف العامة تدمير للوطنية.
إن سلب هوية المجتمع بانتقاد عاداته وتقاليده المستقيمة أو شرائعه ومعتقداته الدينية ردة عن الوطنية.
كما أن الإغراق في دعوى الخصوصية والاستثنائية والانغلاق على الذات هو من الجهل بالمكان السحيق, فضلا عن أن يكون من الوطنية والمواطنة الصالحة.
إن إثارة الشقاق والخلاف والاستنكاف عن المشورة والاستبداد بالرأي ووضع الأشياء في غير مواضعها كل ذلك إخلال بالوطنية.
إن الوطنية أمانة تقتضي أن يقع كل من أخل بها تحت طائلة المساءلة والمحاسبة.

لا أضيف جديدا عندما أقول إنه كلما كبرت مسؤولية المواطن لا بد أن يكبر معها شعوره بالوطنية.

التنمية وحقوق الإنسان

د. عبد الله بن عبيد الحافي
التنمية بمفهومها الشامل تجمع بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، فالتنمية الاجتماعية تستهدف تحسين مستوى المعيشة للأفراد، والتنمية الاقتصادية تستهدف القدرة على الإنتاج وتبادل السلع وتقاس بمعيار محدد وهو مقدار نصيب الفرد في الدخل القومي، وتدخل في ذلك تنمية الموارد البشرية، ولكي يبقى المجتمع موحداً متماسك البناء فلا بد أن تطبق الشروط اللازمة لتحقيق هذا الهدف السامي النبيل أخذاً بمبدأ العدالة في كافة الشؤون.
إن قطاع التنمية بجوانبه المتعددة كالتعليم والرعاية الصحية والمرافق الخدمية والإدارية والمواصلات والاتصالات والبُنى التحتية المصاحبة لها، لهو من أشد المتطلبات لكل مواطن ينشد الحياة الآمنة الكريمة.
وتوفير هذا المطلب يحتاج إلى جهود صادقة وسواعد أمينة تنتهج المناهج العلمية التي تقوم على الإحصاء الدقيق والتخطيط الذي يسبق أي عمل وأي قرار فهما يسبقان جميع الوظائف الإدارية الأخرى فهما الأصل لما بعدهما، وأن يكون ذلك في ضوء الحقائق الماثلة للعيان.
حينئذٍ فقط يكون القرار التنموي معتمداً على السند الوطني الحقيقي والسند العلمي المعرفي في قوانين إدارة الدولة، وهذا هو الفارق والعلامة التي تفرّق بين اتباع الأهواء والرغبات الشخصية لمراكز قوى نافذة وبين المصلحة الوطنية العامة وشتّان بين الأمرين، فاستهداف المصلحة الوطنية العامة شرط لمشروعية أي عمل تقوم به الإدارت الحكومية في مجالات التنمية وإلا كان عملها انحرافاً بالسلطة واستغلالاً للنفوذ يدخل فاعله تحت طائلة المسؤولية.
إن كل مواطن مسؤول عن التنمية، والمواطن الموظف تتضاعف مسؤوليته باعتباره مؤتمناً على جزء من التنمية الشاملة.
وحرصاً على تحقيق مبدأ العدالة في التنمية وحماية مصالح المواطنين من الإضرار بها بأي وجه كان، فقد نصَّ نظام الخدمة المدنية على تجريم الموظف عندما يستغل سلطته الوظيفية ونفوذه في تحقيق مصالحه الخاصة مهدراً بذلك مصالح شرائح عريضة من المجتمع وتهميشهم وحرمانهم من حصتهم من التنمية في التعليم العام والعالي أو في الرعاية الصحية أو البلدية أو المرافق الإدارية أو غير ذلك من الحقوق.
كما أن الإخلال بالشروط والمواصفات اللازمة للعمل التنموي وتقديمه بصورة مشوهة لا تحقق الغاية النبيلة التي يطمح إليها ولاة الأمر، بل تعود على المجتمع بالضرر مع كونها وسيلة مستمرة لهدر المال العام هو تعويق لمسيرة التنمية.
لذا فقد جاء في نظام الخدمة المدنية في المادة (12/أ/ب) (يحظر على الموظف خاصة إساءة استعمال السلطة الوظيفية واستغلال النفوذ.
وجاء في اللائحة التفسيرية لهذه المادة: "يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه الخاصة، وعليه استعمال الرفق مع أصحاب المصالح المتصلة بعمله".

وهذا النص يدخل في عمومه جميع موظفي الدولة، فالموظف هو: كل شخص يساهم في خدمة مرفق عام تديره الدولة، وذلك عن طريق شغله بصفة دائمة منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق. إن الإخلال بمبدأ الأمانة والعدالة في التنمية نقض لعُرى الوطنية

المواثيق الدولية وحقوق الإنسان

د. عبد الله بن عبيد الحافي
يعتقد الغربيون والأوروبيون منهم خاصة أن لهم فضل السبق في تقرير حقوق الإنسان والدفاع عنها وأنهم أعرق شعوب العالم في هذا الميدان، وهم فيما بينهم كدول وشعوب متنازعون في مهد نشأة هذا الفكر، فيدعيه الإنجليز، وينازعهم في ذلك الفرنسيون، وتنازعهم أطراف أخرى في نسبة السبق والأفضلية إليها في هذا الميدان. لقد ساهمت أفكار الفلاسفة والمفكرين القائلين بالقانون الطبيعي في إيجاد قاعدة مشتركة كونت نواة لتقرير تلك الحقوق وهدفاً مشتركاً كان سبباً على المدى المتوسط والبعيد في خلق وحدة حضارية أخذت تبرز وتتشكل شيئاً فشيئاً إلى ما نشاهده اليوم من تكاملها في أوجه النشاط الحضاري المختلفة في العالم الغربي ولسنا بصدد الرصد التاريخي لحركة الفكر الفلسفي في مجال حقوق الإنسان، فقد كان في بدايته فطرياً وعفوياً حتى صقلته الألسن والأقلام وانتقل من عالم المثل والنظرية إلى ميادين التطبيق والعمل، وهذه المرحلة الأخيرة تأخذ في الأعم الأغلب شكلين رئيسين.
الأول: الأفكار والآراء المسطورة في كتب المفكرين والمصلحين الاجتماعيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.وهذه لا تجد سبيلها إلى الحياة إلا من خلال الأحزاب وبرامجها والعقائد والتصورات التي تؤمن بها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وواضح أنها تفتقر إلى صفة العموم والتدويل، فالقيم والمبادئ والمرتكزات تختلف باختلاف أيديولوجيات تلك الأحزاب ونظمها.
الثاني: الأفكار والآراء في مجال حقوق الإنسان كمطلب عالمي تتبناه وتنادي به المؤسسات الدولية، ومعلوم أن هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية هي المؤسسة التي يمكن أن يصدق عليها وصف ''الدولية - العالمية''، لأن جميع دول العالم أعضاء في الانتساب إليها، فقد استطاعت في العام 1948م أن تقرّ أول إعلان عالمي وضعي يؤكد على احترام حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي غير آخذة في الاعتبار الاختلافات الجوهرية في المكونات الدينية والثقافية بين شعوب ودول العالم.
تلا هذا الإعلان إعلانان أو عهدان متفرعان من الإعلان العالمي السابق، هما:
1.العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
2.العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وكلاهما صدر عام 1966م، وهذه الاتفاقيات مع الإعلان العالمي يطلق عليها في فقه القانون الدولي اسم ''الشرعية الدولية لحقوق الإنسان'' ويمكن اعتبار هذه الاتفاقيات الثلاث مرجعاً ومصدراً لما تلاها من اتفاقيات دولية أو إقليمية في مجال حقوق الإنسان، فهي إما أن تكون شرحاً وتفصيلاً وتفسيراً لمواد تلك الاتفاقيات، أو تخصيص بعض بنود تلك الاتفاقيات بأفرادها بإعلان أو اتفاقية بسبب ظروف عالمية اقتضت ذلك التخصيص وإعادة الصياغة للبنود السابقة، بما يحقق المقاصد الإنسانية مع الاحتفاظ بأصل المعنى لها، ومن أمثلة ذلك:
-الاتفاقيات الخاصة بمناهضة التعذيب عام 1948م.
-اتفاقية حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة 1974م.
-إعلان حقوق الطفل 1959م.
-اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو) 1981م.
-إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1963م.
-اتفاقية منع الإبادة الجماعية 1948م.
-اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة بشأن الأسرى والجرحى وحماية المدنيين وقت الحرب 1949م والبروتوكولات الملحقين بها عام 1977م.
- الميثاق الخاص بوضع اللاجئين 1951م وما تلاه من بروتوكولات عام 1967م.
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية حقوق العمال والمهاجرين عام 1990م.
ولعل ما تقدم من أبرز الاتفاقيات الدولية، وهناك الكثير من الاتفاقيات القارية والإقليمية والوطنية كلها متفرعة من الإعلان والعهدين السابق ذكرها غالباً.
وعن مدى وجوب الالتزام بما تضمنته هذه الإعلانات والمواثيق، ففقهاء القانون الدولي منقسمون في تكييف هذه الإعلانات والمواثيق وهل لها صفة الإلزام أو أنها مجرد توصيات أدبية؟ ولا شك عند الجميع في أنها لازمة لمن وقَّع عليها وأعلن قبوله لها، أما في الواقع العملي فليس لهذه الإعلانات والمواثيق صفة الإلزام الدولي، فتملك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حق التحفظ على البنود التي ترى أنها لا تتفق مع قيمها أو سيادتها أو ثقافتها العامة، والتحفظ معناه كما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية 1969م هو: ''إعلان من جانب واحد أياً كانت صيغته أو تسميته يصدر عن دولة أو منظمة دولية عند توقيعها أو تأكيدها الرسمي أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى معاهدة، ويهدف منه إلى استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبعض نصوص المعاهدة في تطبيقها على تلك الدولة أو تلك المنظمة''.

والدستور أو النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية يقضي بسيادة الشريعة وحاكميتها على سائر النظم والتصرفات فكل ما يخالف الإسلام مردود أياً كان مصدره، وقد تحفظت المملكة على كثير من البنود والمواد التي تخالف الإسلام أو ثوابتها السياسية العربية والإسلامية في عدد من الإعلانات أو العهود الدولية، رائدها كما تقدم هو اعتمادها الإسلام نظاماً ومنهاجاً للحكم والعلاقة مع الآخرين.

الثقافة.. والتربية

د. عبد الله بن عبيد الحافي
الثقافة بمعناها الواسع تشير إلى مفهوم يشتمل على أسلوب الناس في الحياة وطرق العيش للأفراد والجماعات، كما تشير إلى التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية التي تهتم بتنظيم سلوك الناس وتلبية حاجاتهم في مجتمع (ما).
فهي تعني الإلمام بتقاليد المجتمع وعاداته ومعتقداته وتحديد اتجاهاته، فالثقافة بهذا المفهوم أوسع من الحضارة، التي تكون في هذا السياق مرحلة من مراحل النمو الثقافي للمجتمع، وبقطع النظر عن الاتفاق حول هذا المفهوم للثقافة أو عدمه، تبقى الحقيقة الماثلة للعيان وهي: أن مسألة التربية رهينة للمفهوم الواسع للثقافة.
فالتربية هي: تلك المجهودات والأنشطة العملية التي تهدف إلى إبراز القيم الدينية والثقافية سلوكياً ومهارياً لدى أفراد المجتمع، فهي خلاصة تفاعل بين الدين والحياة بكل ثقافاتها وآدابها الإيجابية.
فكيف تنمو شخصية الفرد، وما أثر هذه الشخصية في الجماعة، وكيف تتم تقوية صلته بالمجتمع الذي ينتمي إليه حتى يصير عاملاً فاعلاً؟
كيف تخلص الفرد من الصفات المناهضة للمجتمع، سواء كان منبع هذه الصفات ذاتياً، أم ظرفياً طارئاً؟
كيف نستطيع أن نُعدَّ الفرد للمجتمع الذي يعيش فيه؟
كل هذه الأسئلة من مهام المخطط للعملية التربوية التي من أبرز ميادينها ميدان التربية والتعليم. فالتعليم جزء من التربية، وليس مرادفاً لها في المفهوم والحقيقة.
وبعيداً عن الدخول إلى ميدان صراع النظريات التربوية الحديثة حول ماهية التربية وحدودها وعلاقتها بالمجتمع، سواء في ذلك النظريات المحافظة أو المتحررة، فعلينا أن نعترف بأننا نعيش في عصر يشهد تحولات سريعة وثورات معرفية متلاحقة، وحاجات متجددة ووسائل وأساليب مبتكرة في ميادين الحياة المختلفة، وكل هذا يدعو إلى إعادة صياغة الأهداف التربوية بشكل أو بآخر في ضوء الأصول والثوابت العليا حتى نتمكن من الاستفادة من تلك المنجزات ونسخرها لخدمة عقيدتنا وبلادنا ولنزرع الثقة في الناشئة بامتلاكهم نواصي أسباب التنمية والمعرفة.
إن مؤسسات التربية والتعليم على اختلاف مستوياتها لا يجوز بأي حال أن تكون بمعزل عن المجتمع وواقعه المعاش وأهدافه وتطلعاته نحو المستقبل، يجب أن تكون المدارس والجامعات مجتمعات تحاكي المجتمع الكبير لا مجمعات معزولة عن المجتمع.
لم يعُد التعليم خدمة تقدمها الدولة تهدف إلى التهذيب والاستقامة فحسب، بل أصبح في هذا العصر من أهم دعامات الإنتاج والتطوير، وتأهيل وإعداد الطاقات المادية والبشرية والطبيعية واستثمارها فيما يعود بالخير على الأمة.
إن مجتمعنا الذي يمثل الشباب الشريحة الأكثر عدداً من أفراده، يجعل المسؤولية مضاعفة على القائمين والمشتركين في العملية التربوية في بلادنا، ويجب أن نكون واثقين من أن كل جهد يبذل وكل مال ينفق في هذا السبيل هو استثمار موفق من الوجوه كافة.
في بلاد كبلادنا يجب ألا توجد ثنائية في التربية والتعليم، فليست ثنائية التعليم الديني والمدني من الإسلام في شيء، لم يكن المسلمون في يوم من الأيام عالة على غيرهم في ميادين العلوم الطبيعية والتجريبية، إلا بعدما انكفأوا عن خوض غمار هذه العلوم تحت تأثير مقولات مغلوطة تكرّس هذه الثنائية، رائدها في ذلك مصالح ومكاسب شخصية متسترة بستار المحافظة على الدين والقيم، نتيجتها ما نراه ونعيشه من تخلف وتقهقر في تلك الميادين الحيوية من ميادين العلم الطبيعي والتجريبي، إن الإسلام لا يمنع من الاهتمام والعناية بالنواحي النفعية، فقد عني المسلمون قديماً بعلم التاريخ وعلوم اللغة وآدابها وفنون الشعر والبلاغة والفصاحة، ولا أضيف جديداً بقولي إن علوم الطلب والهندسة والعلوم الطبيعية أهم بكثير من كثير من تلك العلوم.
ولقد أحسن القائمون على التعليم العالي بتدشين كليات الطب والهندسة والإدارة وغيرها من الكليات الحيوية تحت مظلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فبلادنا في أمسِّ الحاجة إلى تلك الكليات وإلى ما تخرجه من كوادر متسلحة بسلاح العلم والإيمان كي يواصلوا مسيرة من سبقوهم من إخوانهم في الجامعات السعودية الأخرى، فلا ثنائية بين العلم والأبحاث في الإسلام.
كلنا يدرك أن هذا الطريق طويل وشاق لكنه قدر لا بد منه لمن يريد الحياة الكريمة، إن للمربين والمعلمين مثلا حيا للكفاح والنجاح في هذا الميدان، وهو شركة أرامكو السعودية، وهنا سؤال كما يقال يفرض نفسه وهو: ما هي علاقة التعليم الأكاديمي بالتعليم الفني؟ وهو سؤال كبير من يوفق للإجابة عنه فقد أوتي خيراً كثيراً!!
إننا في حاجة إلى تربية ذات مستويات متعددة ومتدرجة تلبي الحاجات الوجدانية العاطفية والحاجات العقلية على حد سواء، فلا يطغى جانب على جانب.
تربية تجعل هذا الجيل يحسن تسلم الميراث العلمي والثقافي ويخرجه بحياته في ضوء ظروفه التي يعيش فيها، كما يحسن تسليم هذا الميراث إلى الجيل الذي يخلفه.

وأخيراً أرى أننا لسنا بحاجة إلى إبداء الأسباب حتى نعالج أو نتحدث عن هذا الموضوع الذي يبدأ ولا ينتهي، فهو موضوع يقلق الآباء والأمهات والمربين على حد سواء.

الحالة العربية .. رأي في الأسباب


د. عبد الله بن عبيد الحافي
فوجئ كثيرون في العالم بسقوط النظام التونسي ثم أعقبه سريعا سقوط النظام المصري، ولا يزال النظام الليبي والسوري واليمني في وضع حرج للغاية، ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة داخلية وخارجية، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل، فالعوامل الداخلية هي العوامل التقليدية لكل سقوط وزوال واندثار والحديث عنها من مكرور القول ومعاده، وأما العوامل الخارجية فهي من الناحية العامة أيضا منوطة بالأعداء في الخارج ومدى قدرتهم على تحقيق أهدافهم في سقوط هذا النظام أو ذاك. أما فيما يتعلق بالحالة العربية الراهنة على وجه الخصوص فإنني أعتقد أن للعلاقة بين الغرب والعالم العربي، التي تمثل عملية السلام بين العرب وإسرائيل إحدى ركائزها المهمة أثرا مباشرا وجوهريا فيما حدث. فالمبادرة العربية مطروحة أمام قادة إسرائيل منذ سنوات وهم رافضون لها، ومع إعلان الجامعة العربية أن السلام هو الخيار الاستراتيجي لحل النزاع، إلا أن هذا لم يعط الإسرائيليين الأمان المطلوب، فهم يعيشون هاجس الخوف والقلق من كل ما يحيط بهم، فالإسرائيليون يعيشون أزمة ذات وهوية، وهذا واضح جدا في كتاب بنيامين نتياهو ''مكان تحت الشمس''، يؤكد هذا مطالبة إسرائيل السلطة الفلسطينية قبل أشهر بالاعتراف بيهودية أرض فلسطين كشرط من مجموعة شروط لاستئناف عملية السلام. هذه العقلية والنفسية التي يتحرك بها حكام إسرائيل لم تر في المبادة العربية ما يلبي مطالبها، وكانت المبادرة هي الحد الأعلى الذي يمكن أن يقدمه النظام العربي الرسمي من خلال جامعة الدول العربية، فبقي الأمر عالقا، وجاءت أحداث غزة لتسجل سقوطا وفشلا ذريعا للنظام العربي الرسمي عاد على الشعوب بخيبة أمل وإحباط، ولا سيما أن الإعلام العربي الرسمي والأجهزة الرسمية الأخرى كانت تتخذ من القضية الفلسطينية ''قميص عثمان''، وتتخذ من ذلك نقطة للتوحد الشكلي الهش، وتعتمد على القضية الفلسطينية كسبب لتأجيل التنمية والإصلاح داخل المجتمعات العربية في ازدواجية لم يعهد لها مثيل في التاريخ البشري كافة، فالمنطق يعلن أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذ ضممنا إلى ما تقدم ما حدث في العقدين الأخيرين من اكتساح واختراق ثقافي واجتماعي وأخلاقي للعالم العربي من قبل العالم الغربي الأمريكي والأوروبي خصوصا، ولم تعد دعوات الخصوصية والاستثناء تقوى على صد ذلك الطوفان الجارف، لأن تلك الدعوات قد أصبحت تجديدية تنظيرية في عالم المثل، لا تمت إلى الواقع بصلة، فلم تكن فاعلة ولا صادقة وأصبحت في نظر الكثير لا تعدو نوعا من الامتياز الحصري الذي يجني ثماره أولئك الداعون وحسب.
فنتج من هذه الحال والواقع سببان كافيان في إحداث ما نعيش الآن بدايته، ولا أحد يعلم كيف ستكون النهاية، وهذا السببان هما:
أولا: الفشل في إدارة مفاوضات مشرفة مع إسرائيل، فضلا عن تحرير فلسطين والشعب الفلسطيني.
ثانياً: تغييب الثقافة الإسلامية عمداً في كثير من البلاد العربية، بل وتوجيه الاتهام إليها وتصنيفها كعائق للحياة المدنية والتقدم والرقي، الذي تنشده تلك الحكومات بزعمها، مما فتح المجال واسعاً لاستيراد القيم والسلوكيات في الإعلام والاجتماع والاقتصاد بمفاهيم العالم الحر مع كونها محكومة بنظام استبدادي، فكان لا بد من حدوث ما حدث، لأن النتيجة لا يمكن أن تتخلف عن السبب.
وملخص القول أن العالم العربي قبل هذه الأحداث الأخيرة يعيش فشلاً سياسياً في العلاقات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أما في الداخل العربي فكان الفساد الإداري والاستبداد بالرأي وسحق كرامة الإنسان، ولا سيما ذوي الرأي والفكر، وهذا ما حدا بكثير من المثقفين والمفكرين والنخب العربية أن تتجه بأنظارها إلى الغرب ونظمه الديمقراطية لطلب المساندة ورفع معاناتهم في بلدانهم، فوقف العالم الغربي ومؤسساته الدولية من هذه الأحداث في الجملة موقف المخلِّص والمنقذ، وهو أمر مقبول من الناحية الإنسانية لرفع معاناة تلك الشعوب المسالمة المعذبة طوال أكثر من أربعة عقود من الزمان، ومهما تكن الأضرار الناتجة عن هذا الوضع، فلن تكون أشد ضرراً من الجناية على الإسلام وأهله ونظمه وتشريعاته التي تمت بشكل منظم على أيدي تلك الأنظمة العربية الراحلة.

الجانب المعرفي في حقوق الإنسان

الجانب المعرفي في حقوق الإنسان
د. عبد الله بن عبيد الحافي
في العقدين الأخيرين أولى كثير من دول العالم حقوق الإنسان أهمية وعناية مع تفاوت فيما بين تلك الدول في إيجاد الضمانات الكافية لحماية هذه الحقوق.
ويحيل كثير من الدول في هذه القضية - معرفة الحقوق - إلى الدساتير والقوانين المعنية، وهذه القوانين قد تنتقص من حقوق الإنسان ابتداءً وقد تتعارض مع قوانين أخرى استثنائية تؤدي في النهاية إلى انتهاك حقوق الإنسان.
وفي السعودية لا تخرج حقوق الإنسان في تقديرها وتصويرها وتنظيمها والدفاع عنها عن القرآن الكريم والسنة النبوية وسنن العدل والفطرة، فمن خلال هذه الأصول يتم فحص الإعلانات والعهود والمواثيق والصكوك الدولية العامة والجزئية منها، وهذا ما نصّت عليه المادة الأولى والمادة الخامسة من نظام هيئة حقوق الإنسان بالسعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (207) وتاريخ 8/8/1426هـ.
بل إن نظام هيئة حقوق الإنسان في السعودية قد جعل من وظائف الهيئة ومسؤولياتها الرئيسة تنمية الوعي ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع كما في المادة الخامسة والمادة الحادية عشرة من نظام الهيئة.
وهذا يقودنا كمواطنين ومهتمين بهذا الشأن إلى أن نتعرف على مصادر حقوق الإنسان في بلادنا لاسيما بعد صدور حُزمة كبيرة من الإصلاحات الإدارية والتنظيمية لجوانب مهمة تمسُّ أمن المجتمع واستقراره ولعل من أهمها الأنظمة العدلية الثلاثة وهي نظام المرافعات ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، كذلك صدور نظامي القضاء وديوان المظالم الجديدين اللذين يمثلان خطوة رائدة وموفقة سيكون لها الأثر الإيجابي في تسهيل وتيسير إجراءات التقاضي والفصل في الخصومات، وقد اشتمل النظامان على تعديلات مهمة تستهدف تحقيق المصلحة العامة وتخدم الهدف العام من نصب القضاة في الإسلام.
وهناك نظامان مهمان يمسّان شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين وهما نظام العمل والعمال ونظام الخدمة المدنية ولوائحها التنفيذية وما طرأ عليها من تعديلات وإضافات وتفسيرات ونحو ذلك، فكثيراً ما نرى ونسمع عن تعثر سير كثير من الحقوق والمصالح بسبب جهل الموظف المختص بحقيقة النظام وما يجب أن يتخذه إزاء قضية معينة فيوقع المواطن والمراجع في حرج شديد, وكان يمكن تفادي هذه الأمور لو فُعّل جانب التطوير والتدريب المستمر بهذه المرافق والمصالح العامة.
إن نشر الثقافة الحقوقية خير عون للمواطن فهي تساعده على توفير وقته وجهده وذلك بأن يعلم حقيقة المشكلة التي تواجهه ويعلم الطريق المؤدي إلى حلها وإنهائها، وتكون هذه المعرفة سبباً في طمأنينته وثبات ثقته بالإجراءات والتدابير النظامية لإنهاء مشكلته والعكس بالعكس.
كما أن العناية بمعرفة الحقوق تتفاوت حسب المسؤولية وكلما زادت مسؤولية المواطن تأكد في حقه العناية بإيصال الحقوق إلى ذويها ممن تحت ولايته وفي نطاق مسؤوليته, وهذا غير ممكن في حق من لم يهتم بهذا الأمر أو يجهله, ففاقد الشيء لا يعطيه، وهذا يقود إلى توجيه الدعوة إلى القطاعات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بإقامة الدورات التدريبية التي تعنى بحقوق الإنسان بشقيها الشرعي والنظامي, وأن يكون من ضمن المستهدفين بهذه الدورات القيادات الإدارية على مختلف مستوياتها، ولو أدرج الحصول على هذه الدورات الحقوقية كشرط للترقية أو شرط للأفضلية فإن هذا مما يصب في هذا الاتجاه وهو نشر الوعي الحقوقي والتأكيد على أهمية الجانب المعرفي الذي لا يمكن فصله عن الواقع العملي.

فهناك مستويان لا بد أن يكونا على علم ودراية بهذا الجانب ولا يكفي معرفة أحدهما بل لابد من معرفة كلا الجانبين لحقوقه وواجباته حتى تكتمل المنظومة وتؤتي ثمارها

الأربعاء، 20 يناير 2016

حقوق الإنسان .. المفهوم .. والأثر

حقوق الإنسان .. المفهوم .. والأثر
عبدالله عبيد الحافي
من الأمور المسلمة أن مصطلح حقوق الإنسان بصيغته المعاصرة والمتداولة عالميا هو من إفرازات الثقافة الأوروبية التراكمية، فهو نتاج معرفي تأسس ونشأ في ظل ظروف اجتماعية وسياسية ودينية عصفت بالأمة الأوروبية، فأخذت تلك الآراء والرؤى تتبلور وتمحص شيئا فشيئا حتى نضجت تلك الآراء وآمن بها كثير من الناس وأنزلوها في قلوبهم منزلة العقيدة، وعملوا على تحقيقها من الناحية العملية. ولا شك أن تلك الأمنيات ــ سابقا ــ الحقوق فيما بعد، تتوزع على مجالات ونواح متعددة من نظم الحياة وجوانبها، ولا يمكن أن تتصور أنها تقف عند جانب ترفيهي أو حقوق فردية شخصية، يؤكد هذا التصور تلك الأسباب والدوافع التي أدت إلى المناداة بتلك الحقوق ووجوب ضمانها للفرد وعدم انتهاكها والتعدي عليها، وهي أسباب ودوافع ناشئة من انحراف السلطة الروحية التي تمثلها البابوية الكنسية والسلطة الزمانية التي تمثلها الإمبراطوريات المتعاقبة في أوروبا، فلا يمكن الفصل بين الأسباب والنتائج كما لا يمكن الفصل بين النتيجة والأثر المترتب عليها، ولعل «نظرية الحرية» المستندة عند دعاتها إلى ما يعرف بـ «الحقوق الطبيعية أو القانون الطبيعي» تمثل الإطار المعرفي الذي يستمد منه دعاة حقوق الإنسان في الغرب مبادئ دعوتهم العامة والتفصيلية، فما يطلق عليه الفرنسيون: اتركه يعمل، اتركه يمر، وما يطلق عليه الإنجليز: دع كل شيء حرا، فمعناه أن للإنسان حقوقا طبيعية مستمدة من طبيعته الإنسانية لازمة لإنسانيته ينظمها قانون طبيعي سابق في الوجود لمن يريد أن يقيدها أو يحد من نشاطها، وعلى الجميع أن يعترفوا بهذه الحقوق، وقد توسع فلاسفة الغرب في تعداد هذه الحقوق ومناقشة ما تنطوي عليه من معان بدءا بالفيلسوف الروماني «شيشرون» والفيلسوف الإيطالي «ميكافلي» و«جان يودان» و«جون لوك» و»هوبز» إلى المحدثين من أمثال «ستيورات مل» و»آدم سميث»، وقد استنبط هؤلاء مجموعة من المبادئ السياسية والاجتماعية التي هي في جوهرها من فروع القانون الطبيعي، وقد جاءت معظم الدساتير الحديثة في الغرب وكثير من بلاد العالم متفقة مع ما قرره هؤلاء الفلاسفة، ومن هذه المبادئ: احترام الحريات المدنية، والحريات السياسية، والحريات الدينية، وحق إبداء الرأي والتفكير وما ينطوي تحت هذه المبادئ من تفصيلات وجزئيات يصعب حصرها.
لقد أفرز هذا الفكر عبر السنين الطويلة، استنادا لتلك المبادئ السابقة، مجموعة من المفاهيم المعرفية كالتعددية السياسية، وإتاحة الفرصة لقوى المجتمع المدني ومؤسساته للعب دور بارز وفاعل في الحياة العامة وتوجيهها وهذا ما يعرف في الفكر السياسي بالديمقراطية الليبرالية، ففي تقارير نشرتها مؤسسة «بيت الحرية» وهي مؤسسة أمريكية يزيد عمرها على 70 عاما، أنه في عام 2000 كانت هناك 120 دولة من دول العالم الـ 129 أو ما يوازي 60 في المائة من مجموعها تعد ديمقراطيات ليبرالية.
إعلان
وعودا على بدء فقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 الدعوة إلى الحكم الديمقراطي، إذ جاء في المادة (21) «إرادة الشعب هي مناط سلطة الدولة».
وهذا يكشف بوضوح عن منظومة الفكر الغربي وحلقاتها المترابطة وأنهم يملكون منهجا دقيقا في تسيير شؤون الدنيا، وأن هؤلاء القوم قوم عقلاء في إقامة الدنيا ومصالحهم الحياتية، هل استطعنا نحن المسلمين اليوم أن نبرز الصورة الحقيقية للإسلام في جانبه التشريعي الذي يعد مستندا لحقوق الإنسان من واقع الإسلام نفسه بعيدا عن الدخول في المقارنات التي تخرج الحديث عن روحه وموضوعه..
إنني أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الهيئات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان الرسمية والأهلية على حد سواء هو اكتشاف المنهج الإسلامي في تقرير هذه الحقوق والضمانات التي تقدمها الشريعة الإسلامية لحمايتها وصيانتها، واستنباط الركائز الأساسية التي تنبني عليها وتتفرغ منها حقوق الإنسان في الإسلام، وصياغة ذلك بطريقة توافق روح العصر ولغته، آخذة في الاعتبار أن هذا المصطلح ــ حقوق الإنسان ــ أصبح علما على مجموعة من العلوم والمسائل التي نالت قدرا كبيرا من الاستقلال لظروف عالمية دفعت في هذا الاتجاه، وفي ذلك إبراز لجانب من جوانب الإسلام الحضارية يسهم بشكل كبير في شرح الإسلام ومحاسنه من خلال ميدان يعد من أهم الميادين التي تتسابق الأديان والمذاهب على اختلافها في نيل السبق في مضماره من خلال إبراز ما لديها من قواعد ونظم في هذا الشأن.

وقفة حازمة تجاه المجازر الإيرانية ضد الشعب السوري

وقفة حازمة تجاه المجازر الإيرانية ضد الشعب السوري
الكاتب: مداولات
عبدالله عبيد الحافي

لم يعد خافياً على كل مراقب لما يجري على الأراضي السورية اليوم ما تقوم به القوات الإيرانية بمسمياتها المختلفة وكذلك عملاؤها وصنائعها في العراق ولبنان هذه القوى التي أصبحت قوةً غازية ومحتلة للأراضي السورية تريد تركيع الشعب العربي السوري لحفنة من المرتزقة تطلق على نفسها اسم النظام السوري وقد أعلن الشعب السوري بكل أطيافه نزع الشرعية والطاعة عن هذه العصابة وأعلن براءته منها ومما تقوم به من قتل وتدمير للبلاد والعباد، لم يعد قميص المقاومة الممزق يصلح شعاراً لتبرير العدوان الإيراني على الشعب السوري والأراضي السورية فالجميع يعلم أن المقاومة بأضلاعها الماسونية التي يشكل النظام السوري أحدها ونظام طهران ضلعها الثاني بينما يتقاسم ضلعها الثالث، ماسونيون صغار في العراق ولبنان قد انتهت، وانتهت الأكذوبة العالمية الكبرى التي ينعق بها «دجاجلة» النظام الإيراني فثورة الشعب السوري كسرت أضلاع المقاومة التي صنعتها الماسونية العالمية.
إن من يقتل الشعب السوري مستخدماً أبشع الوسائل في ذلك لا يمكن أن ينال شرف المقاومة لأعداء الأمة ولا شرف تحرير فلسطين بل هو جزء من المؤامرة الصهيونية العالمية على العرب والمسلمين في هذا الزمن.
وإننا على يقين بأن الشعوب المخدوعة بهذه الأنظمة وتلك العصابات التابعة لها هي التي ستتولى محاسبة أولئك القتلة وإجراء القصاص العادل انتقاماً لإسلامها وعروبتها و وطنيتها ولآلاف الضحايا من الأبرياء الذين لقوا الموت على يد هذه الأنظمة وتلك العصابات.
لقد سقط النظام الإيراني وأتباعه في لبنان والعراق. لم تكن الثورة السورية تحريراً لسوريا فحسب بل ستصبح تحريراً لسوريا ولإيران ولبنان من قبضة عملاء الماسونية والصهيونية العالمية التي أحكمت قبضتها على تلك الدول عقوداً من الزمن هذه الأنظمة الخائنة لله و الأوطان جاءت من السراديب المظلمة والطرق المشبوهة لتزيد جراح هذه الأمة ولتؤجل نهضتها وتطيل كبوتها ولتعمل على تمزيقها ونشر الحروب والفتن بين أبنائها.
إن القتل والتدمير الذي يجري في سوريا اليوم هو من صنع نظام طهران وروسيا بوتين ولافروف فليس هناك نظام سوري ولا حكومة سورية، بل هناك لجنة طوارئ تدير الحرب والموت على سوريا أرضاً وشعباً.
وبشار نفسه يقبع في السفارة الإيرانية ولم يعد يملك من أمره شيئاً، والاستقبال الأخير الذي جرى بينه وبين مبعوث مرشد الثورة تم في السفارة الإيرانية.
فالواقع في سوريا هو أن الشعب السوري يتعرض لغزو خارجي تقوده إيران بقوتها المختلفة وعملاؤها في المنطقة، والشعب السوري لن يقف متفرجاً أمام هذه الجرائم الإيرانية والروسية التي ترتكب بحقه فإذا لم يكن هناك وقفة عدل وإنصاف من المجتمع الدولي فإن هذا المجتمع الدولي سيدفع ثمناً باهظاً جراء هذا التواطؤ مع الجريمة التي ترتكب بحق الإنسان السوري اليوم، إن دفاع الشعب السوري عن وطنه وعن أهله وذويه لا يجوز أن يأخذ توصيفاً آخر غير هذا التوصيف وعلى سماسرة الكذب والدجل الذين ينعقون كالغربان من منابر إعلامية عديدة واصفين دفاع السوريين عن أنفسهم بأنه إرهاب وجماعات مسلحة أو غير ذلك من الأكاذيب.
على هؤلاء جميعاً أن يعلموا أنهم شركاء في قتل الشعب السوري و ستطالهم يد العدالة قريباً وليعلموا أنهم منحازون للفئة الخاسرة وأن السوء والدمار سينالهم من عصابات بشار وإيران قبل أي جهة أخرى والوقائع والأحداث في الداخل السوري وخارجه شاهدة على نوايا عصابات إيران وبشار بتقديم هؤلاء قرابين لمصالحهم متى ما احتاجوا لذلك ولعل ما كشف أخيراً بعد اعتقال أحد قادة الثامن من آذار الموالين لإيران من مخططات عدوانية تستهدف وحدة لبنان وسوريا دليل دافع على أن حكومة طهران وأتباعها قد أصبحوا عبئاً ثقيلاً على العالم العربي والإسلامي ويجب اتخاذ خطوات حاسمة وجادة في محاسبة هذا النظام وأتباعه من خلال إدانة إسلامية وعربية عامة للأعمال العدوانية التي يرتكبونها بحق العرب والمسلمين في بلاد الشام وغيرها كما أن على منظمة التعاون الإسلامي أن تسمي الأشياء بأسمائها فإدانة النظام الإيراني وتعليق عضويته في منظمة التعاون الإسلامي هو أقل ما تقوم به المنظمة الإسلامية العالمية، يجب أن يعلم أعضاء منظمة التعاون الإسلامي أن الشعوب الإسلامية والعربية تحديداً لم ولن تقبل المجاملات السياسية حيال قضاياها المصيرية التي تتعلق بوجودها وهويتها فيجب إيقاف المتاجرة بقضايا العرب والمسلمين التي يقوم بها نظام طهران وأتباعه من وكلاء الصهيونية العالمية ويجب أن تعاد هذه القضية إلي مكانها الطبيعي سلماً وحرباً وهي مهمة المسلمين والعرب تحديداً

سوريا.. الموت بطعم الفيتو

سوريا.. الموت بطعم الفيتو
د. عبدالله عبيد الحافي


لقد أثبتت الثورة السورية العظيمة أن حق النقض الفيتو صهيوني التوجه أيًا كان الطرف الذي يستخدمه ويبدو أن قدر الثورة السورية ومخاضها العسير ينبئ عن الدور الذي ستضطلع به في المنطقة بعد انتصارها القريب جدًا.

لقد كشفت هذه الثورة المباركة عن النفوذ الحقيقي للصهيونية العالمية وأذرعتها الخفية الممتدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في القوى الدولية المعاصرة وأن المافيا الصهيونية التي تمثل روسيا وإيران أحد مكوناتها تمسك بمفاصل القرار الدولي في كل من الغرب والشرق على حد سواء وأن الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه صانعو الفيتو الروسي والصيني وأهمهم إسرائيل وطهران لن يتحقق، فهم يهدفون إلى القضاء على الثورة السورية لكن هذا الفيتو لم يزد عن أن كشف الوجه القبيح للصهيونية العالمية التي تتلون كالحرباء، كما أنها بدخولها كطرف فاعل في هذه المسألة أصبحت هدفًا مشروعًا للمسألة الجنائية باعتبارها شريكًا للنظام السوري في ارتكاب المجازر وانتهاك الحرمات وهي جرائم موثقة لا يلغيها قول لافروف أنه يعمل وفق القانون الدولي!

إن تبادل الأدوار بين القوى السياسية الدولية لخدمة المشروع الصهيوني الاستعماري ومحاولة إخفاء الوجه الحقيقي لأمريكا تحديدًا وموقفها من الثورة السورية كفيل بأن يراجع العرب والمسلمون أنفسهم ويقوموا بما تطالب به شعوبهم التي فوضتهم في مباشرة الحكم وقيادة الأمة، ففي هذا الظرف الذي تعيشه الثورة السورية يجب أن يكون دور القيادات العربية والإسلامية هو نصرة هذه الثورة والوقوف بحزم في وجه كتائب وشبيحة الأسد التي تسعى في الأرض فسادًا وتهلك الحرث والنسل أيًا كانت النتائج والتضحيات المترتبة على هذه الخطوة، فإن واجب العرب اليوم شعوبًا وحكومات نصرة الشعب السوري الثائر على الظلم والاستبداد والوقوف بكل حزم وقوة في وجه قاتليه وجلاديه وأول خطوة في هذا الطريق هي سحب الاعتراف العربي والإسلامي من حكومة دمشق والاعتراف بالثورة وممثليها الشرعيين في المجلس الوطني والهيئة العامة للثورة السورية.

إن حق الحياة الحرة الكريمة الآمنة لكل إنسان لا يمكن أن يصادره فيتو الظالمين أيًا كان مصدره وعندما تصادر الحرية والكرامة فإن الأبواب مفتوحة لاستعادة الحقوق وهو أمر تقره الشرائع السماوية والعقول السليمة والفطرة السوية وكل ما يخالف ذلك فهو رجس من عمل الشيطان.

إن على علماء الأمة والهيئات الإسلامية الحكومية والأهلية كما على المفكرين والمثقفين دورًا كبيرًا في نصرة هذه الثورة المباركة وكشف حقيقة نظام بشار وما يقوم به من أعمال منافية للدين الإسلامي وبيان حقيقة تحالفه مع إسرائيل وإيران لخدمة الصهيونية العالمية وخدمة إسرائيل وضمان استمرارها في قلب العالم الإسلامي، لا يزال أمام العرب فرصة أخيرة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبوه في التعامل مع هذه الثورة وتلك الخطوات غير المحسوبة.

وهذه المسائل لا ينفع في علاجها إلا سبيل الحزم والقوة في ضوء الثورة السورية، يجب على السياسي العربي أن يراجع كثيرًا من المواقف تجاه القوى الإقليمية والدولية.

لقد طنطنت إيران كما يطنطن الذباب وفقدت صوابها عندما رأت صديقها في دمشق قد ضيق عليه الخناق.

وكل من يعرف حقيقة الحكومة الإيرانية يعلم أنها لا تسيطر على البلاد الإيرانية إلا بطريقة الإرهاب اللا أخلاقية فالدعاية الإعلامية لمنظومات الصواريخ والأقمار الهائلة ما هي إلا إعلان عن الإفلاس الحقيقي في كل مجالات التنمية والقوة وتعبير عن عمق القلق والخوف الذي يسيطر على النظام الحاكم في طهران من صحوة الشعب الإيراني العظيم، فحكومة طهران ظاهرة صوتية لا غير يجب أن يعرف العرب ذلك ويتأكَّدوا منه.

لقد أسهمت الدعاية الغربية والإسرائيلية في التخويف من القدرات الإيرانية وهو أمر يراد وأسهم ذلك في ابتزاز العرب على حساب قضاياهم ومصالحهم الحيوية ويجب على السياسي العربي أن يراجع كثيرًا من المواقف تجاه روسيا والصين خصوصًا في الجانب الاقتصادي فيجب ألا يمر هذا الفيتو بلا عقاب إرضاء للشعوب الغاضبة، يجب أن يراجع العرب النظر في عملية السلام مع إسرائيل وعليهم أن يسحبوا المبادرة العربية التي ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلاً وأن يعلنوا فلسطين بكاملها أرضًا محتلة لا حق فيها لغير الفلسطينيين أن ما تقدم ليس مطالب متقدمة ولا مطالبة بالمستحيلة بل يجب أن نعترف أننا كنا مخدوعين أو عاجزين فيه، أما اليوم قد انكشف الغطاء

وظهرت الحقائق جلية واتضح للقاصي والداني حجم المؤامرة على هذه الأمة وشعوبها، فعلينا أن نتحمل أعباء إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح معتمدين في ذلك على ما تقره الشريعة الإلهية والنظم العادلة الإنسانية، فإن للعرب والمسلمين كرامة مسلوبة ومنتهكة يجب أن يقتص من سالبها ومنتهكها، أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتحاد خليجي خطوة في الطريق الصحيح نتمنى منه أن يتبنى دعوة مماثلة إلى اتحاد عربي يحل محل الجامعة العربية  التي أصابها الوهن والترهل لأسباب عديدة فهو القائد الذي يتفق العرب والمسلمون على إخلاصه لأمته الإسلامية والعربية وحكمته في اتخاذ القرار وهو خليق بأن تجاب دعوته لمثل هذا الاتحاد نطلب اتحادًا عربيًا يكفل لهذه الأمة استعادة حقوقها المسلوبة وممارسة دورها الحضاري والإنساني في العالم اليوم، اتحادًا يقف سدًا منيعًا في وجه الطامعين والمعتدين، فالظروف العربية اليوم مهيأة لقبول مثل هذه الدعوة بل والمسارعة إلى تحقيقها.

استاذ مساعد بكلية الملك خالد العسكرية

الانتحار الإيراني

الانتحار الإيراني

الأحد 04 أكتوبر 2015
د. عبدالله عبيد الحافي
 قديماً قالت العرب «ما تبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه» كل متابع للشئون الإيرانية الداخلية والخارجية يقف على نتيجة واحدة وحتمية وهي: إن النظام الباطني الذي يحكم بلاد فارس في سبيله إلى الزوال والاضمحلال، فقد أسلم هذا النظام قياده للحقد الأعمى والرغبات الحبيسة القاتلة والمدمرة التي تتوارثها هذه الطوائف الموتورة من الإسلام وأهله، حتى إنهم أصبحوا على استعداد لإعلان الكفر الصريح بالإسلام وشرائعه في مقابل عقد التحالفات مع الصهيونية والصليبية العالمية لزعزعة أمن واستقرار العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية حماها الله، إن المشروع الذي عمل الخميني على تنفيذه ولازال تلامذته يعملون على تنفيذه هو إشعال الفتن والحروب ونيران الحرائق في المنطقة العربية خدمة للصهيونية العالمية ولإسرائيل تحديداً.. لقد رأى العالم أجمع القتل الذريع في سوريا والعراق الذي ما كان ليحصل لولا الدعم بالمليشيات والمال والسلاح من قبل حكومة طهران لحكومات القتل والجريمة في سوريا والعراق.. لقد رأى العالم كيف أصبحت لبنان دولة فاشلة بسبب ميلشيات طهران وما يعرف «بحزب الله» الذي بات يشكل دولة داخل الدولة اللبنانية والأمم المتحدة ومجلس الأمن بأعضائه الدائمين يغض الطرف عن هذا الأمر، لأن المتضرر من ذلك هو الشعب العربي اللبناني وكذلك الشعوب الإسلامية، وهو توجه بات واضحاً وسياسة باتت مكشوفة لهذه المنظمة التي فقدت مصداقيتها.
لقد باتت الأمم المتحدة وجهاً مستعاراً لقتلة الشعب السوري والعراقي واللبناني واليمني بسبب التحالف الآثم بين حكومة طهران والصهيونية العالمية، لقد أصبحت حكومة طهران في وضع شاذ بين دول المنطقة وبين دول العالم تماماً كإسرائيل، وأصبح كل المتحالفين معها من المرتزقة وقطاع الطرق كالنظام السوري وكحزب اللات في لبنان والحشود التي بلا زمام ولا خطام وليس آخرها داعش في العراق والحوثي في بلاد اليمن لقد أصبح كل هؤلاء عاراً على بني آدم بعدما فقدوا كل القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية وأصبحوا كالوحوش الضارية يهلكون الحرث والنسل، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، لكن إلى متى؟.. إن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل ففي الوقت الذي يظن فيه هؤلاء البرابرة أنهم قادرون على كل شيء في هذا الوقت تماماً يفقدون كل شيء وتحيط بهم أعمالهم السيئة. فالعالم على اختلاف توجهاته وسياساته ومصالحه لا يمكن أن يطبق على الظلم والبغي ومحاربة الفضيلة {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}.. وعليه فلن تفلح محاولات الصهيانة وأدواتهم إلى جر العالم الإسلامي والعربي إلى حرب تدميرية لا تبقي ولا تذر.
إنه من العار على حسن نصر زميره وعلى عبدالملك الحوثي ومقتدى الصدر وغيرهم ممن على شاكلتهم من أدوات إيران إن كانوا عرباً كما يزعمون أن يكونوا أداة لأعداء العرب والمسلمين لقتل أبناء وطنهم وهتك حرماتهم وتسويد صحف أعمالهم بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى والثكلى واليتامى لكن هؤلاء هم الخلف من أسلافهم الذين قتلوا الحجاج وملئو بئر زمزم بجثث القتلى حتى سالت الدماء في أرجاء بلد الله الحرام وهم الذين قلعوا الحجر الأسود من مكانه واخفوه عشرين سنة حتى أعاده المسلمون إلى مكانه وذلك في القرن الثالث الهجري، أننا وكل عاقل لنعجب أشد العجب من تباكي حكومة طهيران على تنظيم شئون الحج وحادثة التدافع الأخير وهم ورثة الباطنية والقرامطة السالف ذكرهم كذلك هم تلامذة الخميني الذي قتل الحجاج في عام 1407هـ وأراد إفشال موسم الحج في ذلك العام، لكن الله أخزاه ورد كيده في نحره وجعل مصيره مصير أصحاب الفيل فمات غمماً مذموماً مدحوراً، وهو مصير كل من سار على دربه، لقد تحملت المملكة العربية السعودية أمانتها ومسؤوليتها بكل كفاءة واقتدار أمام الله وأمام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
لقد ضرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومن قبله والده وإخوته أروع الأمثلة في خدمة الحرمين الشريفين والقاصدين لها كل ذلك طاعة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، فكانت مناراً للتوحيد الخاص الذي لا شريك فيه مع الله، وكانت مأرزاً للإيمان وأهله من كافة أصقاع الأرض.. وهذا الأمر هو الذي يغيظ حكومة طهران ومن سار على شاكلتها من عبدة الأضرحة والأتربة والمقامات، حكومة طهران التي تهدم المساجد وتخربها وتنفق الملايين على عمارة المشاهد والقبور محادة لله ولرسوله ولدعوة التوحيد الخالص.. حكومة طهران التي تسعى لإحياء الجاهلية الأولى تحت مسمى موالاة أهل البيت كذباً وزوراً؛ والله والمسلمون يعلمون أن أهل البيت بريئون من الشرك وأهله.
إن السباب والشتائم للعقيدة الإسلامية التي نسمعها ليلاً ونهاراً من الإعلام الرسمي لحكومة طهران ومن أبواقها كالحوثي وحسن زميره، تذكرنا بقول الفرزدق:
ولو أن عبدالله مولى هجوته
ولكن عبدالله مولى موالياً
نعم إن هؤلاء أصبحوا عبيداً وموالياً لحكومة طهران يسيرونهم كما يسيرون الأنعام التي لا عقول لها لقد نال الحوثي وحسن زميره وبشار الأسد والصدر وغيرهم شهرة واسعة في الإعلام المعاصر ولكن لا أظنهم سيصلون إلى المكانة التي وصل إليها معلمهم الأكبر الشيطان الرجيم، ذلك إن الاشتهار الواسع لا يكون نافعاً إلا إذا كان في سبيل الحق والخير أمام هؤلاء، فاشتهروا على طريقة إبليس بالكبر والكذب والإثم والعدوان.. لقد كان يسع هؤلاء ما وسع العرب والمسلمين عبر العصور لكنهم أبوا إلا الفتنة والعمالة والخيانة التي سيجنون ثمراتها المرة وسيظلون شاهداً على العمالة والخيانة تضرب بهم الأمثلة عبر الأجيال، كالنصير الطوسي وابن العلقمي.

سلمان الثبات.. ما قل دل

سلمان الثبات.. ما قل دل

السبت 11 ابريل 2015

تقلد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في ظروف تحيط بالعالم العربي أقل ما يقال فيها إنها كارثية، فقد انحرف المسار الرسمي للسياسة العربية لتقتل نفسها بنفسها على يد أفراد متنفذين أخذوا يتلاعبون بالأمة وبمصيرها وذلك باستخدام فزاعة الإسلام السياسي أو الإسلام الحركي وأن هذا الأخير يشكل خطراً على الأنظمة القائمة وبالتالي فلا بد من وضعه مع القاعدة ومع داعش في سلة واحدة، وليتهم إذ فعلوا ذلك قاموا بما يجب من حماية أمنهم الإقليمي والوطني، بل أصبحنا في وضع يشبه إلى حد كبير وضع ملوك الطوائف في الأندلس الذين استعانوا بأعدائهم على إخوانهم، ثم التهمهم العدو جميعاً في آخر الأمر، فقد أخذت الأفعى الإيرانية المتحالفة علنا مع الصهيونية العالمية تتمدد في البلاد العربية مستغلة هذه المراهقة السياسية المتاخرة التي أصيبت بها الأمة في مقتل وينفذها محدود الخبرة والتجربة مع الجهل التام بحقيقة هذه الأمة ومبادئها وهويتها وما يجب أن تكون عله فنسفوا كثيراً من ثوابت الأمة السياسية وركائزها الثابتة عبر عقود في التعامل مع الآخرين.
فأصبح هذا الوضع المتردي سبباً في فتح شهية الأعداء الذين ظنوا أنهم على وشك إحكام قبضتهم على هذه الأمة والإجهاز عليها، وأن المراهقين السياسيين الجدد قد مهدوا لهم السبل وعبدوا لهم الطرق كما هيأها النصير الطوسي وابن العلقمي لهولاكو وجنكيز خان عندما اجتاحوا المشرق الإسلامي وأسقطوا عاصمة الإسلام وقتلوا الخليفة وأضاعوا ملك المسلمين ودولتهم، فكشر كل هؤلاء عن أنيابهم ووجوههم الكالحة وأعدوا أنفسهم لإعادتها جذعة لسحق الإسلام وأهله كما أوهمتهم نفسهم المريضة في هذه الظروف الحالكة الظلمة، يلي أمور الأمة المحمدية البصير بتاريخها العليم بثوابتها ومبادئها المعتز بهويتها بين الأمم إنه الملك المنصور سلمان بن عبدالعزيز ذلك الملك العربي المسلم الذي لم يؤل وجهه شطر المشرق أو المغرب، وإنما توجه بوجهه وبقلبه إلى رب المشارق والمغارب يسأله العون والتوفيق لما فيه صلاح البلاد والعباد، فهيأ الله له السبل وجمع الأبدان والقلوب على طاعته فجيش الجيوش الإسلامية لاستئصال شأفة الفتنة والظلم في بلاد اليمن التي يغذيها مركز الباطنية الملحدة في هذا العصر من قم وطهران، فقطع الله بجميل صنيعه بلية قد انعقدت أسبابها وأحاطت بالإسلام وأهله.
إن شعب المملكة العربية السعودية يقف خلف خادم الحرمين الشريفين في كل ما يتخذه من إجراءات لإنقاذ الشعب اليمني الشقيق من عدوان المليشيات وقطاع الطرق الذين تسلحهم حكومة طهران التي أعلنت عن نفسها بأفعالها إنها وريثة القرامطة الأوائل الذين يستبيحون الحرمات ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، لقد أثبتت الحركة الخمينية من خلال تاريخها الأسود في بلاد إيران نفسها وفي العراق وسوريا ولبنان إنها تحمل حقداً وغلاً على الإسلام وأهله لا تحمله أي ملة أو طائفة فقد أصبحت الفكرة الخمينية والمؤمنون بها من أعظم أدوات الشيطان في العصر الحديث لإفساد الأوطان والأديان وانتهاك الحرمان لكن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة -وهذا شأن دولتنا بإذن الله- فأصلنا ثابت وفرعنا في السماء.
إن عاصفة الحزم قد اكتملت فيها أركان المشروعية فهي حرب عادلة وغاياتها نبيلة وأهدافه سامية إنها لنصرة المظلومين وردع الظالمين وإنقاذ المستضعفين ممن أحاطت بهم جحافل الهمج البرابرة وقطاع الطرق ممن باعوا أنفسهم وضمائرهم وأوطانهم لأعداء أمتهم، فكان لا بد من استئصال العضو الفاسد حتى يصح بقية الجسد، وهذا ما سيحصل في بلاد اليمن إن شاء الله، إننا كسعوديين نحمل أمانة العقيدة الإسلامية وحماية الحرمين الشريفين التي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسنبذل أرواحنا وكل ما نملك في هذا السبيل.
إن النزاعات والخلافات بل والحروب تقع بين المسلمين قديماً وحديثاً لأسباب كثيرة ولكن الذي لا يجوز أن يقع هو التلاعب بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحريفها وإنزالها في غير مواضعها لأجل تلك العداوات أو الخلافات السياسية، فكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي المرجع والمحتم إليه عند وقوع النزاع والخلاف، وفيها الشفاء من كل داء، فمن أبى إلا تحريفها والتلاعب بها لأجل أطماعه الرخيصة ورغباته السفلية سفول نفسه وعقله فلا يضر أحداً إنما يضر نفسه، فقد أكمل الله الدين واستبانت مناهجه وسبله، وإن الأمل معقود بعد الله على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأعوانه المخلصين من أبناء هذه الأمة في إعادة الأمور المختلة إلى نصابها الصحيح وصلاح ذات البين وجمع كلمة المسلمين كما أمر الله ورسوله لئلا ينفذ الأعداء من تلك الثلمة كما فعلوا في بلاد اليمن وغيرها فتدفع الأمة وشعوبها الثمن الباهظ جراء ذلك. {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحج.

ملك الوفاء.. وشاهد الوفاء


ملك الوفاء.. وشاهد الوفاء 

عبد الله عبيد عباد الحافي - عضو هيئة التدريس بكلية الملك خالد العسكرية
الوفاء من مناقب النبلاء. وإنما يعرف الفضل ومواقعه الفضلاء والنبلاء من الناس، وكما قيل:
وقد كانوا إذا عدوا قليلا
وقد صاروا أقل من القليل
وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد ضرب أروع الأمثلة في الوفاء تجاه مسؤولياته والتزاماته، حاكمه في ذلك عقيدته الإسلامية، والخصال الحميدة التي اكتسبها من مدرسة والده الملك عبد العزيز - رحمه الله -.
وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - أمير منطقة الرياض شاهد على وفاء هذا الملك لشعبه ووفائه لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - فكان مما قال في احتفال أهالي منطقة الرياض بمناسبة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للحكم: (عندما نتحدث عن الوفاء فسأكون شاهد عيان، لقد كنتم وفيين جداً لأخيكم المرحوم الملك فهد، خصوصاً في فترة مرضه، وهذا والحمد الله ما تعودناه من هذه الأسرة وهذا الشعب).
فمنذ أن تقلد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رئاسة الحرس الوطني في مطلع الثمانينات الهجرية أسس وشيد مؤسسة حضارية تعد من أرقى المؤسسات في هذه البلاد الكريمة، ثم تعاهدها بالتطوير والتحديث حتى صارت مضرب المثل سواء في امتلاك أحدث وسائل التقنية والإدارة، أو تأهيل الكفاءات والقوى البشرية التي تتعامل مع هذه الوسائل، وتوفير الحياة الكريمة لهم.
إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ومن خلال ما يضطلع به من مسؤوليات جسام قد أدرك أن تنمية البلاد ورفاهية المواطنين مرهونة بعد توفيق الله - تعالى - بالأخذ بأسباب القوة في كل مجالات الحياة، فكان - حفظه الله - رائد النقلة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة وصاحب فكرة (نقل التقنية وتوطينها) وزياراته لبلدان شرق آسيا والصين شاهد على ذلك.
فبدلا من أن تكون التقنية مستوردة دائماً، فليكن ذلك إلى أجل ثم تكون من صنع أبناء الوطن ومنجزاتهم التي يفخرون بها.
وقد أدرك الشعب السعودي صدق نوايا هذا الملك العادل فبادله الوفاء بالوفاء وأعلن تأكيده الولاء والسمع والطاعة لهذه القيادة الرشيدة

الثلاثاء، 19 يناير 2016

موقف الصهيونية العالمية من الثورة السورية / د.عبد الله عبيد الحافي


المختصر / الصهيونية هي الواجهة السياسية والاقتصادية والإعلامية لليهودية العالمية وهي مؤسسة دولية استعمارية ذات جهاز تنظيمي له قيادة وأعضاء في كثير من دول العالم، فالصهيونية واليهودية صنوان لا فرق بينهما في الغايات المنشودة وإن اختلفتا في الوسائل والأساليب.
وقد قننت الحركة الصهيونية العالمية أهدافها ووسائل تحقيق تلك الأهداف من خلال ما يعرف بالبروتوكولات أو بروتوكولات حكماء صهيون هذا على سبيل العموم، أما فيما يتعلق بالأحداث والوقائع والمتغيرات الجزئية العالمية ذات العلاقة والتأثير على الأهداف الصهيونية فإنها تقوم بمحاكمتها والتعامل معها من خلال تلك الأهداف العامة والرؤية المسبقة لما يجب أن يكون عليه الأمميون المحيطون بدولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ومن قراءة للواقع بأحداثه المتسارعة يبدو أن الصهيونية قد اختارت الشكل الذي يجب أن تكون عليه حكومات الدول المحيطة بإسرائيل وهما شكلان لا ثالث لهما في الخيار الصهيوني، الأول: الحكم الدكتاتوري الفاسد الذي يسلب تلك الأوطان وشعوبها هويتها وكرامتها وحريتها بما يضمن بقاءها ضمن دول العالم المتخلف التي تقبل ما يمليه عليها أعداؤها.
والشكل الثاني: هو تمزيق تلك الدول إلى دويلات طائفية تتقاتل فيما بينها وتستقوي بأعدائها على بعضها البعض وهذا - الشكل الثاني - لن يحدث إلا بعد حروب أهلية طائفية وهذا ما نشاهد اليوم بوادره في سوريا وليس ذلك ذنب الشعب السوري ولا بسبب الثورة السورية المحقة، وإنما بسبب تغلغل الصهيونية وهيمنتها على القرار الأمريكي والروسي تحديداً وهما من هما قوة وتأثيراً في المنظمات الدولية وخصوصاً مجلس الأمن.
فحماية نظام الأسد خيار صهيوني إستراتيجي لا يمكن أن تساوم عليه الصهيونية العالمية في المنظور القريب.
وهذا السيناريو الثاني هو الذي فهمه صهاينة صغار في المنطقة العربية أمثال حسن نصر الله ووئام وهاب وغيره فأعلنوا بكل صراحة ووقاحة أن البديل للنظام السوري هو الدويلات الطائفية ولعل مما يصب في هذا الاتجاه العملي للصهيونية ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي من أن مصر بعد الثورة أصبحت أشد خطراً على إسرائيل من دولة إيران!!
والجميع يعلم أن مصر لا تملك سلاحاً نووياً!! فما الذي يخيف ليبرمان!! فمصر تتجه إلى خلق حياة برلمانية جديدة على أسس مدنية بمعايير الديمقراطية النيابية فلماذا تخاف الصهيونية وإسرائيل تحديداً من استعادة الشعوب العربية لسيادتها وكرامتها وحريتها في أوطانها، كل ذلك يعزز ما تقدم من أن الصهيونية العالمية قد اختارت شكلين من الحكم لجيران إسرائيل إما الدكتاتورية والعمالة للصهاينة وإما الفوضى والخراب لتلك الدول، وبالتالي فإن ما تنادي به الصهيونية من خلال وجوهها وألسنتها المتعددة في الشرق والغرب من إحلال الديمقراطية محل النظم الاستبدادية والشمولية فقيد بكونه لغير العرب والمسلمين، مع أن العرب لديهم من النظم السياسية العادلة ما يفوق الديمقراطية وسائر النظم لو أحسنوا تطبيقه والأخذ به.
لقد أدرك الأسد وعصاباته هذه الحقيقة فخرج إعلاميوه في وسائل الإعلام يعلنون بأن النظام لن يسقط حتى تطلع الشمس من مغربها وأمثال هذا الكلام الذي سببه الثقة المفرطة في القوى الصهيونية التي لها كما يقال أكثر من مائة يد في كل مكان وهذا ما يفسر لنا التشابه بل التطابق بين النظامين الإسرائيلي والسوري حيال تعاملهما مع القرارات الدولية وانتهاكها بشكل سافر.
لقد صدق ذلك الزعيم الآسيوي عندما قال: إن اليهودية العالمية تدير العالم بالوكالة! لقد اهتزت ثقة العرب والمسلمين بمجلس الأمن لقد أصبح مجلس الأمن مع الأسف الشديد أداة من أدوات الصهيونية العالمية لفرض الإرادة الصهيونية على شعوب الأرض، وموقفه من الثورة السورية خير شاهد على ذلك.
ولم تعد تلك العمليات التجميلية التي يقوم بها من خلال بياناته وقراراته تجدي شيئاً فالشعب السوري يتعرض لإبادة جماعية ومجازر وحشية والجميع يعلم أن المستهدف بتلك الجرائم هم الأكثرية من المسلمين السوريين وبالتالي فإن الرهان على انتصار النظام مستحيل لأنه معاكس للمنطق الحتمي إذا ضممنا إلى الشعب الأرض، توشك الصهيونية أن توقن بفشل خطة كوفي أنان التي لبها وجوهرها في جانبه العملي لا النظري هو القضاء على الثورة السورية يؤيد ذلك تعامل النظام مع هذه الخطة وفي المقابل الإشادة به أو على الأقل السكوت عن انتهاكاته الفاضحة لبنودها من قبل مجلس الأمن!

المصدر: صحيفة الجزيرة