السبت، 26 مارس 2016

الحالة العربية .. رأي في الأسباب


د. عبد الله بن عبيد الحافي
فوجئ كثيرون في العالم بسقوط النظام التونسي ثم أعقبه سريعا سقوط النظام المصري، ولا يزال النظام الليبي والسوري واليمني في وضع حرج للغاية، ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة داخلية وخارجية، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل، فالعوامل الداخلية هي العوامل التقليدية لكل سقوط وزوال واندثار والحديث عنها من مكرور القول ومعاده، وأما العوامل الخارجية فهي من الناحية العامة أيضا منوطة بالأعداء في الخارج ومدى قدرتهم على تحقيق أهدافهم في سقوط هذا النظام أو ذاك. أما فيما يتعلق بالحالة العربية الراهنة على وجه الخصوص فإنني أعتقد أن للعلاقة بين الغرب والعالم العربي، التي تمثل عملية السلام بين العرب وإسرائيل إحدى ركائزها المهمة أثرا مباشرا وجوهريا فيما حدث. فالمبادرة العربية مطروحة أمام قادة إسرائيل منذ سنوات وهم رافضون لها، ومع إعلان الجامعة العربية أن السلام هو الخيار الاستراتيجي لحل النزاع، إلا أن هذا لم يعط الإسرائيليين الأمان المطلوب، فهم يعيشون هاجس الخوف والقلق من كل ما يحيط بهم، فالإسرائيليون يعيشون أزمة ذات وهوية، وهذا واضح جدا في كتاب بنيامين نتياهو ''مكان تحت الشمس''، يؤكد هذا مطالبة إسرائيل السلطة الفلسطينية قبل أشهر بالاعتراف بيهودية أرض فلسطين كشرط من مجموعة شروط لاستئناف عملية السلام. هذه العقلية والنفسية التي يتحرك بها حكام إسرائيل لم تر في المبادة العربية ما يلبي مطالبها، وكانت المبادرة هي الحد الأعلى الذي يمكن أن يقدمه النظام العربي الرسمي من خلال جامعة الدول العربية، فبقي الأمر عالقا، وجاءت أحداث غزة لتسجل سقوطا وفشلا ذريعا للنظام العربي الرسمي عاد على الشعوب بخيبة أمل وإحباط، ولا سيما أن الإعلام العربي الرسمي والأجهزة الرسمية الأخرى كانت تتخذ من القضية الفلسطينية ''قميص عثمان''، وتتخذ من ذلك نقطة للتوحد الشكلي الهش، وتعتمد على القضية الفلسطينية كسبب لتأجيل التنمية والإصلاح داخل المجتمعات العربية في ازدواجية لم يعهد لها مثيل في التاريخ البشري كافة، فالمنطق يعلن أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذ ضممنا إلى ما تقدم ما حدث في العقدين الأخيرين من اكتساح واختراق ثقافي واجتماعي وأخلاقي للعالم العربي من قبل العالم الغربي الأمريكي والأوروبي خصوصا، ولم تعد دعوات الخصوصية والاستثناء تقوى على صد ذلك الطوفان الجارف، لأن تلك الدعوات قد أصبحت تجديدية تنظيرية في عالم المثل، لا تمت إلى الواقع بصلة، فلم تكن فاعلة ولا صادقة وأصبحت في نظر الكثير لا تعدو نوعا من الامتياز الحصري الذي يجني ثماره أولئك الداعون وحسب.
فنتج من هذه الحال والواقع سببان كافيان في إحداث ما نعيش الآن بدايته، ولا أحد يعلم كيف ستكون النهاية، وهذا السببان هما:
أولا: الفشل في إدارة مفاوضات مشرفة مع إسرائيل، فضلا عن تحرير فلسطين والشعب الفلسطيني.
ثانياً: تغييب الثقافة الإسلامية عمداً في كثير من البلاد العربية، بل وتوجيه الاتهام إليها وتصنيفها كعائق للحياة المدنية والتقدم والرقي، الذي تنشده تلك الحكومات بزعمها، مما فتح المجال واسعاً لاستيراد القيم والسلوكيات في الإعلام والاجتماع والاقتصاد بمفاهيم العالم الحر مع كونها محكومة بنظام استبدادي، فكان لا بد من حدوث ما حدث، لأن النتيجة لا يمكن أن تتخلف عن السبب.
وملخص القول أن العالم العربي قبل هذه الأحداث الأخيرة يعيش فشلاً سياسياً في العلاقات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أما في الداخل العربي فكان الفساد الإداري والاستبداد بالرأي وسحق كرامة الإنسان، ولا سيما ذوي الرأي والفكر، وهذا ما حدا بكثير من المثقفين والمفكرين والنخب العربية أن تتجه بأنظارها إلى الغرب ونظمه الديمقراطية لطلب المساندة ورفع معاناتهم في بلدانهم، فوقف العالم الغربي ومؤسساته الدولية من هذه الأحداث في الجملة موقف المخلِّص والمنقذ، وهو أمر مقبول من الناحية الإنسانية لرفع معاناة تلك الشعوب المسالمة المعذبة طوال أكثر من أربعة عقود من الزمان، ومهما تكن الأضرار الناتجة عن هذا الوضع، فلن تكون أشد ضرراً من الجناية على الإسلام وأهله ونظمه وتشريعاته التي تمت بشكل منظم على أيدي تلك الأنظمة العربية الراحلة.

هناك تعليق واحد: