السبت، 26 مارس 2016

المواثيق الدولية وحقوق الإنسان

د. عبد الله بن عبيد الحافي
يعتقد الغربيون والأوروبيون منهم خاصة أن لهم فضل السبق في تقرير حقوق الإنسان والدفاع عنها وأنهم أعرق شعوب العالم في هذا الميدان، وهم فيما بينهم كدول وشعوب متنازعون في مهد نشأة هذا الفكر، فيدعيه الإنجليز، وينازعهم في ذلك الفرنسيون، وتنازعهم أطراف أخرى في نسبة السبق والأفضلية إليها في هذا الميدان. لقد ساهمت أفكار الفلاسفة والمفكرين القائلين بالقانون الطبيعي في إيجاد قاعدة مشتركة كونت نواة لتقرير تلك الحقوق وهدفاً مشتركاً كان سبباً على المدى المتوسط والبعيد في خلق وحدة حضارية أخذت تبرز وتتشكل شيئاً فشيئاً إلى ما نشاهده اليوم من تكاملها في أوجه النشاط الحضاري المختلفة في العالم الغربي ولسنا بصدد الرصد التاريخي لحركة الفكر الفلسفي في مجال حقوق الإنسان، فقد كان في بدايته فطرياً وعفوياً حتى صقلته الألسن والأقلام وانتقل من عالم المثل والنظرية إلى ميادين التطبيق والعمل، وهذه المرحلة الأخيرة تأخذ في الأعم الأغلب شكلين رئيسين.
الأول: الأفكار والآراء المسطورة في كتب المفكرين والمصلحين الاجتماعيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.وهذه لا تجد سبيلها إلى الحياة إلا من خلال الأحزاب وبرامجها والعقائد والتصورات التي تؤمن بها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وواضح أنها تفتقر إلى صفة العموم والتدويل، فالقيم والمبادئ والمرتكزات تختلف باختلاف أيديولوجيات تلك الأحزاب ونظمها.
الثاني: الأفكار والآراء في مجال حقوق الإنسان كمطلب عالمي تتبناه وتنادي به المؤسسات الدولية، ومعلوم أن هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية هي المؤسسة التي يمكن أن يصدق عليها وصف ''الدولية - العالمية''، لأن جميع دول العالم أعضاء في الانتساب إليها، فقد استطاعت في العام 1948م أن تقرّ أول إعلان عالمي وضعي يؤكد على احترام حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي غير آخذة في الاعتبار الاختلافات الجوهرية في المكونات الدينية والثقافية بين شعوب ودول العالم.
تلا هذا الإعلان إعلانان أو عهدان متفرعان من الإعلان العالمي السابق، هما:
1.العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
2.العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وكلاهما صدر عام 1966م، وهذه الاتفاقيات مع الإعلان العالمي يطلق عليها في فقه القانون الدولي اسم ''الشرعية الدولية لحقوق الإنسان'' ويمكن اعتبار هذه الاتفاقيات الثلاث مرجعاً ومصدراً لما تلاها من اتفاقيات دولية أو إقليمية في مجال حقوق الإنسان، فهي إما أن تكون شرحاً وتفصيلاً وتفسيراً لمواد تلك الاتفاقيات، أو تخصيص بعض بنود تلك الاتفاقيات بأفرادها بإعلان أو اتفاقية بسبب ظروف عالمية اقتضت ذلك التخصيص وإعادة الصياغة للبنود السابقة، بما يحقق المقاصد الإنسانية مع الاحتفاظ بأصل المعنى لها، ومن أمثلة ذلك:
-الاتفاقيات الخاصة بمناهضة التعذيب عام 1948م.
-اتفاقية حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة 1974م.
-إعلان حقوق الطفل 1959م.
-اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو) 1981م.
-إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1963م.
-اتفاقية منع الإبادة الجماعية 1948م.
-اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة بشأن الأسرى والجرحى وحماية المدنيين وقت الحرب 1949م والبروتوكولات الملحقين بها عام 1977م.
- الميثاق الخاص بوضع اللاجئين 1951م وما تلاه من بروتوكولات عام 1967م.
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية حقوق العمال والمهاجرين عام 1990م.
ولعل ما تقدم من أبرز الاتفاقيات الدولية، وهناك الكثير من الاتفاقيات القارية والإقليمية والوطنية كلها متفرعة من الإعلان والعهدين السابق ذكرها غالباً.
وعن مدى وجوب الالتزام بما تضمنته هذه الإعلانات والمواثيق، ففقهاء القانون الدولي منقسمون في تكييف هذه الإعلانات والمواثيق وهل لها صفة الإلزام أو أنها مجرد توصيات أدبية؟ ولا شك عند الجميع في أنها لازمة لمن وقَّع عليها وأعلن قبوله لها، أما في الواقع العملي فليس لهذه الإعلانات والمواثيق صفة الإلزام الدولي، فتملك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حق التحفظ على البنود التي ترى أنها لا تتفق مع قيمها أو سيادتها أو ثقافتها العامة، والتحفظ معناه كما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية 1969م هو: ''إعلان من جانب واحد أياً كانت صيغته أو تسميته يصدر عن دولة أو منظمة دولية عند توقيعها أو تأكيدها الرسمي أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى معاهدة، ويهدف منه إلى استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبعض نصوص المعاهدة في تطبيقها على تلك الدولة أو تلك المنظمة''.

والدستور أو النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية يقضي بسيادة الشريعة وحاكميتها على سائر النظم والتصرفات فكل ما يخالف الإسلام مردود أياً كان مصدره، وقد تحفظت المملكة على كثير من البنود والمواد التي تخالف الإسلام أو ثوابتها السياسية العربية والإسلامية في عدد من الإعلانات أو العهود الدولية، رائدها كما تقدم هو اعتمادها الإسلام نظاماً ومنهاجاً للحكم والعلاقة مع الآخرين.

هناك تعليق واحد: