السبت، 2 يناير 2016

اليقين فـــــــي الشاهد القرآني


 

 

 

 

 

اليقين فـــــــي الشاهد القرآني

دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية

 

بحث مقدم

إلى المؤتمر القرآني الدولي ـ مقدس 4

بجامعة ملايا ـ ماليزيا

 

 

 

إعداد

د. عبدالله بن عبيد بن عباد العتيبي

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة المشارك

كلية الملك خالد العسكرية

الرياض

 



المقدمة

إن قضية اليقين في دلالة الأدلة القرآنية ، قضية جوهرية ،وركيزة أساسية ، من ركائز الخلاف بين المسلمين،   كانت ولا زالت ذات أثر كبير في مناهج العلم والعلماء ، وهذا البحث يتناول حقيقة اليقين في أدلة السمع وأوجه هذا اليقين والآثار المترتبة على هذه الحقيقة وذلك في حدود طبيعة هذا البحث .

إن أساس وأصل اليقين في الشاهد القرآني مرتبط باليقين في كون الله موصوفاً بالكلام وأنه متكلم بكلام حقيقي بمشيئته وإرادته ليس كمثله شيء في ذلك، فإذا لم يحصل اليقين بهذا الأمر فما يبنى عليه أولى بألا يكون يقينياً وهذا هو الحاصل بالفعل، فطوائف أهل الكلام على اختلاف مسمياتهم لما أنكروا اتصاف الله ـ تعالى بالكلام  حقيقة وقيامه بذاته، للشبهات التي عرضت لهم اعتبروا كلام الله المتعلق بذاته وصفاته وأمور الآخرة عبارة عن ظواهر لا تفيد اليقين وليس ذلك بمستغرب فليس هذا الأمر بأشد من جحد صفة الكلام التي هي الأصل في الباب والبحث في الدلالات عن عوارضها الطارئة.

أهداف البحث:

1-بيان علاقة الشاهد القرآني بالعقيدة

2- معرفة أوجه اليقين في الشاهد القرآني

علاقة البحث بمحاور المؤتمر:

هذا البحث يقع تحت موضوعات المحور الأول، وهو: الشاهد القرآني في العلوم العربية والإسلامية.

خطة البحث:

المقدمة.

المدخل.












والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،،،



 

سأتناول في هذا المدخل على وجه الاختصار الحديث عن معنى الشاهد القرآني ومعنى اليقين لغة واصطلاحاً وذلك في النقاط التالية:


قال في العين: "اليَقَنُ: اليقين، وهو إزاحة الشك وتحقيق الأمر، وقد أيقن يُوقن إيقاناً فهو موقن، ويِقنِ يَيْقَنُ يَقَناً فهو يَقِنٌ، وتيقنتُ بالأمر،ـ واستيقنت به كله واحد.."([1]).

وجاء في المعجم الوسيط: "يَقِنَ الشيء يَيْقنُ يقناً ويقيناً: ثبت وتحقق ووضح، فهو يَقَن، ويقين... واليقين: العلم الذي لا شك معه"([2]).

وقال في المفردات: "اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال علم يقين، ولا يقال معرفة يقين.."([3]).


قال ابن تيمية رحمه الله : "اليقين: طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه، وينتظم اليقين منه أمران، علم القلب، وعمل القلب"([4]).

وقال العلامة ابن القيم: "اليقين: استقرار الإيمان في القلب علماً أو عملاً"([5]).

وقال الأنصاري في الحدود الأنيقة: "اليقين اصطلاحاً: اعتقاد جازم لا يقبل التغيير من غير داعية الشرع"([6]).

وقال ابن قدامة: "اليقين ما أذعنت النفس إلى التصديق به وقطعت به، وقطعت بأن قطعها به صحيح بحيث لو حكي لها عن صادق خلافه: لم تتوقف في تكذيب الناقل كقولنا: الواحد أقل من الاثنين"([7]).

وعلى هذا فاليقين اصطلاحاً: يراد به العلم المستقر في القلب ويراد به العمل بهذا العلم فلا يطلق الموقن إلا على من استقرّ في قلبه العلم والعمل، واليقين أبلغ علم وأؤكده، وهو سكون النفس مع إثبات الحكم، فهو اعتقاد جازم لا يخالطه شك أو شبهة([8]).



قال في معجم مقاييس اللغة: "الشين والهاء والدال أصل يدلُ على حضور وعلم، وإعلام، لا يخرج شيء من فروعه عن الذي ذكرناه من ذلك الشهادة يجمع الأصول التي ذكرناها من الحضور والعلم والإعلام"([9]).

وقال في العين: ".. وقد شهد علي فلان بكذا شهادةً، وهو شاهد وشهيد... والمشهد مجمع الناس، والجمع مشاهد، ومشاهد مكة: مواضع المناسك"([10]).

وجاء في المعجم الوسيط: "شهد على كذا شهادة: أخبر به خبراً.

والشاهد: من يؤدي الشهادة والدليل.."([11]).

وقال في الكليات: "الشهيد: الشاهد، والأمين في شهادته، والذي لا يغيب عن علمه شيء".

وقال أيضاً في بيان معنى الشاهد عند المفسرين: "قال المفسرون شهد بمعنى (بيّن) في حق الله، وبمعنى (أقرَّ) في حق الملائكة، وبمعنى (أقر واحتج) في حق أولي العلم"([12]).

مما تقدم يظهر لنا أن الشاهد: اسم فاعل من الفعل شَهِدَ وشَهِدَ أصل يدل على الحضور والعلم والإعلام والحكم الجاز.

 


الشاهد عند أهل العربية هو: "الجزئي الذي يستشهد به في إثبات القاعدة، لكون ذلك الجزئي من التنزيل أو من كلام العرب الموثوق بعربيتهم"([13]).

ونلحظ هنا أن هذا التعريف مشتمل على بعض أنواع الشاهد كالشواهد من القرآن وكذلك من العربية وهي أنواع كثيرة كشواهد النحو وشواهد الأدب وشواهد البلاغة ونحو ذلك.

فالشاهد القرآني مثلاً قد يحتج به في مسألة نحوية أو صرفيه أو تاريخية، مع أن الأصل في الاحتجاج به متعلق بأصل الدين وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة وطاعة الرسول e فيما به يأمر وتصديقه فيما عنه يخبر.

وعلى هذا فالقرآن الكريم جميعه شاهدٌ على شرائع الله وأحكامه وأخباره في الدنيا والآخرة، فهو تبيان لكل شيء، "ما فرطنا في الكتاب من شيء" [     ].

 

 


يقول العلامة ابن القيم: "إن كل آية في القرآن الكريم فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن إما خبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهبه وأمره. فهي حقوق التوحيد ومكملاته. وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشريك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم"([14]).

وعبارات السلف في معنى (شهد) تدور على الحكم والقضاء، والإعلام والبيان، والإخبار، وهذه المعاني كلها حق ولا تنافي فيما بينها، فإن "الشهادة" تتضمن كلام الشاهد وخبره، وقوله، وتتضمن إعلامه، وإخباره وبيانه، فلها أربع مراتب. فأول مراتبها: علم، ومعرفة أو اعتقاد لصحة المشهود به، وثبوته.

وثانيها: تكلمة بذلك، ونطقه به، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم به مع نفسه ويذكرها، وينطق بها أو يكتبها، وثالثها: أن يُعلم غيره بما شهد به ويخبر به ويبينه له، ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به.

فشهادة الله لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط المذكورة في قوله تعالى: [شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {آل عمران:18}  .

قد تضمنت هذه المراتب الأربعة: علم الله سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به([15]).   



القرآن الكريم هو كلام الله الذي أنزله على عبده ورسوله محمد e وكلام الله من جهة تعلقه بذات الله هو صفة ذاتية فعلية، والقول فيه كالقول في سائر الصفات الإثبات بلا تمثيل، والقول في عموم الصفات والأفعال الإلهية كالقول في الذات الإلهية على حدٍ سواء، الإثبات الحقيقي والوجود الحقيقي بلا تمثيل، وعلى هذا إجماع الصحابة والتابعين الذين شهدوا التنزيل وعلموا حقيقة النبوة والرسالة وما أنزل إليهم، فلا يجوز العدول عن طريقتهم أو الإعراض عنها تحت تأثير الأفكار والفلسفات الوافدة أو شبهات العقول القاصرة([16]) .

فالسلف وأئمة السنة وكثير من أهل الكلام يقولون: إن الله تعالى يتكلم بمشيته وقدرته كلاما قائماً بذاته، وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم والكلام صفة كمال لا صفة نقص والله واهب الكمال أحق بالكمال من خلقه، وكلام الله كما تقدم صفة ذات باعتبار أصله، وباعتبار آحاد صفة فعلية لتعلقه بمشيته، وكل صفة تعلقت بمشيته تعالى فإنها تابعة لحكمته التامة وحجته البالغة([17])  .

فأصل الصفة معلوم لنا من جهة العلم باللغة وأما كيفية اتصاف الله بها وكيفية قيامها بذاته وتكلمه فغير معلوم لنا، ولا يقدح ذلك في العلم بأصل الصفة وإثباته وهذا قانون السلف الذي عبّر عنه الإمام مالك رحمه الله عندما سئل عن الرحمن على استوى كيف استوى قال: "الاستواء معلوم والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب"([18]) .

فكلام الله صفة حقيقية قائمة بالذات الآلهية ، وتكلمه بمشيته وإرادته، وليس في هذا تمثيل، لآن الله ليس له مثل ولا عدل حتى يجري القياس، وقد أغلق الشارع باب الشبهات بقوله تعالى [فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:74} .

فلا يجوز في المطالب الإلهية قياس التمثيل([19])  الذي يكون فيه الخالق والمخلوق جزئيان يقاس أحدهما على الآخر ، فيكون الخالق إما أصلا يقاس عليه المخلوق أو فرعاً يقاس على المخلوق. كما لا يجوز في حقه تعالى قياس الشمول([20])  الذي يجمع فيه الخالق والمخلوق في قضية واحدة كلية هما أفرادها دون نظر لما يختص كل واحد منهما به، فيكون الخالق والمخلوق متساويان بالنسبة لهذه القضية.

فقياس التمثيل يستوي فيه الفرع والأصل، وقياس الشمول تستوي فيه أفراده، فهذا كله من ضرب الأمثال لله ـ تعالى ـ وهو أمر محرم شرعاً. فجميع ما تقدم هو حول حقيقة صفة الكلام وقيامها بذات الرب تبارك وتعالى والقرآن الكريم مشتمل على آيات كثيرة تثبت أن الله تعالى يتكلم وأن الكلام من صفاته وكذلك السنة الصحيحة، قال تعالى [وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] {النساء:164}  وقوله تعالى [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ] {البقرة:253}

وقال: [وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ] {الأعراف:143} وقال [وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ] {القصص:65}  وقال [وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {البقرة:75}  وقال [يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ] {الفتح:15} .

أما السنة فالأحاديث المثبتة لصفة الكلام كثيرة جداً وقد اشتمل كتاب التوحيد من صحيح البخاري على الكثير منها فقد تنوعت الأحاديث بين بيان أن الله كلم جيريل أو بعض خلقه يوم القيامة أو أهل الجنة أو كلم آدم أو بعض أنبيائه ورسله وأحاديث متنوعة في موضوعاتها كلاها تثبت صفة الكلام.

وقد أخرجها كذلك أئمة الحديث وحفاظ السنة النبوية في كتبهم واكتفيت هنا بالعزو إلى صحيح البخاري([21]).

أما حقيقة كلام الله تعالى الخارجية ، فهي ما يسمع منه، كما سمعه جبريل عليه السلام وكذا من شاء الله من ملائكته وكما سمعه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام قال تعالى [وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ] {الأعراف:143}  ويدخل في هذه الحقيقة كتابته في المصاحف وحفظه في الصدور وتبليغه من الرسول e للأمة وتلقي الأمة لذلك وتبليغه كل جيل لمن بعده إلى أن يرفع في آخر الزمان، فالقرآن في كل هذه المواضع لا يخرج عن كونه كلاماً لله، وهو حقيقة في كل هذه الوجوه دلَّ على هذا الشرع والعقل واللغة، كما قال تعالى [وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ] {التوبة:6} .

ومما لا شك فيه أنه لا يسمع كلام الله من الله ، وإنما من مبلغه عن الله ـ تعالى ـ، والعقل واللغة لا تمنعان ذلك بل تؤيده وتنصره، فمن سمع قائلا يقول: قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل، قال: هذا شعر أمري القيس.

ومن سمعه يقول: [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ] ، قال هذا كلام الله([22]) .

وكلام الله تعالى بحرف وصوت يسمعه من شاء الله أن يسمعه كما سمعه موسى عليه السلام وغيره مما صحت به الأخبار([23]) ، وصوته صفة من صفات ذاته، لا يشبه صوت غيره ، إذ ليس له تعالى شبيه ولا مثيل في ذلك.

وقد أجمع السلف على أن القرآن الكريم كلام الله تكلم به بحرف وصوت سمعه منه جبريل عليه السلام ثم أداه إلى النبي e فهو كلام الله حروفه ومعانيه.

قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] {إبراهيم:4} ، وقال تعالى [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ] {النحل:103} ، أي بلغة العرب فكون القرآن مؤلف من حروف وكلمات وجمل أمر ظاهر لا يحتاج إلى استدلال ، ولذلك نفي الله عنه أن يكون شعراً عندما زعمت قريش ذلك ولم ينفِ كونه لغة بلسان عربي مبين: [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ] {يس:69}  فما لا يجوز أن يكون لغة لا يجوز  أن يكون شعرا عند أحد فلما نفى كونه شعراً عُلم ضرورة أنه لغة قريش ولسانها([24]) .

وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينما جبريل قاعد عن النبي e سمع نقيضاً من فوقه ، فرفع رأسه فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلّم وقال: "أبشر بنورين أوتيتها لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته"([25]) .

وأما الصوت فقد دلت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على إثباته لله، فهو كما تقدم صفة من صفاته يجري مجراها والقول فيه كالقول فيها، فقد قال تعالى لموسى عليه السلام [فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى] {طه:13}  ولا يسمع إلا ما كان صوتا، وقال تعالى [وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا] {مريم:52}  وقال: [وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {الشعراء:10} وقال [وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ] {القصص:74}  وقال [وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى] {طه:9} [إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] {النَّازعات:16}

وقال e : "إن الله ينادي بصوت يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك... الحديث([26]) .

والقول بأن الحرف والصوت تحتاج إلى أدوات، ولما في ذلك من التعاقب وسبق بعضها بعضاً، وكل هذا تشبيه وتجسيم على حد زعم المخالفين، فكل ذلك من الأقيسة الفاسدة التي سبق ذكرها وأنه لا يجوز أن يستدل في العلم الإلهي بهذه الأقيسة التي فيها ضرب الأمثال لله ـ تعالى ـ فأهل الكلام اجتالتهم الشياطين وغيرت فطرتهم فلم يعرفوا من صفات الله إلا ما عرفوه من صفات أنفسهم ـ تعالى الله وتقدس ـ فظنوا أن هذه النصوص فيها تمثيل وتشبيه فأولوها وجحدوا حقائقها.

وقد دلت نصوص الوحيين على أن الكلام صفة معناها في الأصل معلوم، وحقيقتها وكما لها بحسب من تقوم به ويتصف بها، أي أن المعنى الأصلي لا يدل إلا على القدر الذي يحصل به الفهم والتمييز بين المعاني والذوات فقط، ثم هو مع ذلك أمر كلي ذهني علمي لا يوجد في الأعيان وفي الشاهد إلا مختصاً ومقيداً ومضافاً إلى من يقوم به، فلا سبيل إلى التشبيه أو التمثيل، وهذا حكم سائر الصفات والأفعال بل وحكم الذات الإلهية المقدسة.

وكتاب الله لا يمكن أن يكون فيه تناقض، ولا يتحقق وصف الإيمان به إلا بحمل نصوصه على قانونه العربي المبين، وهي طريقة الصحابة والتابعين وإجماعهم القطعي منعقد عليها كما تقدم، وماعدا ذلك فهو هدم لخطاب الشارع وفتح لأبواب التلاعب بدين الله وهذا ما فعلته الباطنية وسائر فرق الزنادقة على اختلاف مشاربهم.

وقد أخبرنا الله ـ تعالى ـ أن هناك أشياء تتكلم كلاماً حقيقياً ولا تتطلب هذه الأمور ولا يماثل كلامها كلام بني آدم من جهة أدوات الكلام، قال تعالى عن نبيه سليمان [يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ] {النمل:16}  ، [قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا]. {النمل}.   .

فهذا النمل يتكلم، وهكذا الهدهد وهو من الطير ويحاور نبي الله سليمان عليه السلام ويحمل رسالته إلى بلاد سبأ.

وقد قال تعالى: [وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ] {فصِّلت:21}، وهكذا الجن أخبر الله عنهم أنه قالوا: [يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ] {الأحقاف:31}، [إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا(1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا(2) ]. {الجنّ: 1-2}.  .

وقد سمع كثيرٌ من الناس كلامهم وأصواتهم قديماً وحديثاً وهم مخالفون لبني آدم في الحد والحقيقة، وفي أصل مادة الخلْق وخصائص التركيب والقوى، فمباينة الخالق بذاته وصفاته أشد من مباينة المخلوقات بعضها لبعض.

وثبت أن النار تتكلم والجنة تتكلم بل إن بعض العجماوات من السباع والحجر والشجر تتكلم كما صحت بذلك الأحاديث، ولا يلزم من إثبات ذلك اللوازم التي بذكرها أهل الكلام ولأجلها أنكروا صفة الكلام أو تأولوها.



إن من يريد أن يستدل لإثبات يقينية الشاهد القرآني أو يريد أن يثبت إفادة الشواهد القرآنية لليقين كمن يريد أن يستدل لطلوع لشمس نهاراً وغروبها ليلا أو من يريد أن يثبت أن الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أو أن محمداً e خاتم الأنبياء والمرسلين وكما قيل:

وليس يصح في الأذهان شيءٌ                 إذا احتاج النهار إلى دليل

وقول الآخر:      فهبني قلت هذا الصبح ليلٌ                    أيعمى المبصرون عن الضياء

وخير ما يستفتح به هذا المبحث قول الله تعالى: [لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {آل عمران:164}  ، فأخبر ـ تعالى ـ في هذه الآية وفي مواضع أُخر من القرآن أن الرسول e يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعملهم الكتاب والحكمة، فالتلاوة والتزكية عامة لجميع المؤمنين، فتلاوة الآيات يحصل بها العلم، فإن الآيات هي العلامات والدلالات، فإذا سمعوها دلتهم على المطلوب، فشواهد القرآن علامات ودلالات على الله ـ تعالى ـ وعلى ما أراد، فهي تدل على ما أخبر به وعلى ما أمر به أو نهى عنه، وتدل أيضاً على أن الرسول صادق إذ كانت مما لا يستطيع الأنس والجن أن يأتوا بمثلها وقد تحداهم بذلك([27]).

 وقول الرسول e : "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" أخرجه البخاري([28]).

قال العلامة ابن القيم: "... إنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها، فهي نفسها الشاهد والمشهود له، والحجة والمحتج له، والدعوى والبرهان، ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهاناً وآية وشاهداً على أنها من عند الله، وكلها شاهدة له ـ تعالى ـ بكمال العلم وكمال الحكمة، وسعة الرحمة، والبر والإحسان والإحاطة بالغيب والشهادة، العلم بالمبادئ والعواقب، وأنها من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده..."([29]). وسيكون الحديث في هذا المبحث من خلال النقاط التالية:



القرآن الكريم يتحدث عن اليقين في أخباره وأحكامه كقضية مسلمة ومؤكدة لا تقبل الجدل أو التشكيك وأن ذلك من لوازم الأيمان وشروطه، وما كان فيه من باب المجمل والظاهر فإن النص القرآني أو النبوي لابد أن يكون قد اشتمل على بيان ذلك في موضع أو عدة مواضع فالحق في نفسه واحد لا يتعدد، والخطأ بعد الاجتهاد ممن هو أهل للاجتهاد في قضية أو مسألة هي مما يُجتهد فيه لا يكون صاحبه مذموماً، بل هو مأجورٌ على اجتهاده مغفور له خطأه، فحجج القرآن وشواهده ميسرة ومفهومة للناس وهي موافقة للفطرة الإنسانية السويّة التي فطرهم الله عليها وبها يقبلون الحق وينقادون إليه، والوحي جاء ليكمّل هذه الفطرة السوية ولم يأتي لتغييرها، فتغييرها من عمل الشيطان، كما صح في الحديث أن النبي e قال: قال الله تعالى: "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين... الحديث"([30]).    

قال تعالى: [وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا] {النساء:87}  صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، وقال تعالى: [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا] {النساء:87}، وقال تعالى: [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا] {النساء:122}، وقال تعالى: [وَبِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ] {الإسراء:105}، وقال تعالى: [أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ] {العنكبوت:51}، وقال تعالى: [الم(1) ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] {البقرة}.  وقال تعالى: [وَمَا كَانَ هَذَا القُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ(37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(38) ]. {يونس}، وقال: [وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41) لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42) ]. {فصِّلت}. .   

وقال تعالى: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {البقرة:185}، فشواهد القرآن مشتملة على البينات والهدى والفرقان فالبينات هي الأدلة والبراهين التي هي في نفسها بدهيات وضروريات، "فالبين اسم لما ظهر في نفسه ولما أظهر غيره فالبينات فيها بيان الأدلة والبراهين، فليس ما يخبر به أو يأمر به مجدداً عن دليله ليؤخذ تقليداً واتباعاً للظن، بل هو مبين بالآيات وهي الأدلة والبراهين القطعية والفرقان هو المفرّق بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب والمأمور والمحظور.

وذلك أن الدليل لا يتم إلا بالجواب عن المُعارض فالأدلة تشتبه كثيراً بما يعارضها، فلابد من الفرق بين الدليل الدّال على الحق وبين ما عارضه، يتبين أن الذي عارضه باطل، فالدليل يحصل به الهدى وبيان الحق، لكن لابد مع ذلك من الفرقان، وهو الفرق بين ذلك الدليل وبين ما عارضه، والفرق بين خبر الرب، والخبر الذي يخالفه، ومن لم يحصل له الفرقان كان في اشتباه وحيرة"([31]).

ومما يعلم بالضرورة من دين الله، وعليه إجماع السلف من الصحابة والتابعين أن الرسول e بيّن القرآن الكريم لفظاً ومعنى، بل كانت عنايته بيان المعنى أشد من عنايته ببيان اللفظ، وهذا هو الذي ينبغي، فإن المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهم من عنايته بالمقصود؟ وكيف يتيقن بيانه للوسيلة ولا يتيقن بيانه للمقصود الذي هو المعنى؟([32]).

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "فإنما خاطب الله بكتابه العرب على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها... وكانت هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به ـ وإن اختلفت أسباب معرفتها ـ معرفة([33]) واضحة عندها، ومستنكراً عند غيرها ممن جهل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة"([34]).

ومراد الشافعي ـ رحمه الله ـ هو بيان أن شواهد القرآن الكريم واضحة المعاني عند أهل اللسان ومعانيها هي المتبادرة إلى الأذهان من ظاهرها، لكن على قانون أهل اللسان وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام، وما يحتف به من قرائن تؤكد أو تنقل المعنى المتبادر. فالخطاب القرآني خطاب يقيني، يحمل في ذاته أدوات تفسيره وإيضاحه، قال تعالى: [إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19)]. {القيامة} ، ولا يجوز أن يخضع لجهة خارجة عنه في البيان؛ وإلا لم يكن هدى ولا بياناً ولا شفاءاً ولا رحمة ولا حقاً ولا صدقاً ولا عدلاً، فهو كلام الخالق ـ تعالى ـ وصفة من صفاته نزل بلسان العرب وعلى قانونهم الأعلى في الفصاحة، ولا يصح هنا الاعتراض بأن السنة مبينة للقرآن الكريم، لأن السنة هنا وحي من الله وبأمره ـ تعالى ـ فلم تكن خارجة عن القرآن في مشروعية البيان، فكلاهما من عند الله بإجماع المسلمين([35]).



من مظاهر اليقين في الشاهد القرآني أن الله تبارك وتعالى قد جعل الحق ثابتاً في نفسه، قال تعالى: [مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] {الأنعام:38}  ، وقال: [وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ] {الأعراف:157}  وقال: [وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ] {النساء:83} ([36])، وقال e : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"([37])، وقال تعالى: [فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا] {الأنبياء:79}  ، "فالأحكام الشرعية الأصلية والفرعية لا تتعدد بتعدد اجتهادات المجتهدين وهذا محل إجماع من الصحابة والتابعين([38])، فقد انتشر عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقائع ومسائل خطأ بعضهم بعضاً فيها، وصرحوا بلفظ الخطأ والإنكار مع إقامة العذر للمخطئ وعدم التثريب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، ومن ذلك قول أبي بكر t في الكلالة: "أقول فيها برأي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني، وأستغفر الله"([39]).

وقال عمر بن الخطاب t لكاتبه: اكتب: "هذا ما رآه عمر، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر"([40]).

وقال ابن مسعود ـ t ـ في المفوضة: "أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمن الشيطان..."([41]).

والأمثلة على ذلك كثيرة مشهورة ومعلومة في مضانها من كتب السنة والسيرة.

وإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة على من بعدهم، وعلى هذا الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وجماهير أهل العلم من بعدهم.

وما نقل عن بعض المتكلمين من أن كل مجتهد مصيب فهو لا يتناول الأصول عند من قال به، بل هو محصور في العمليات الفقهية، وهم موافقون للسلف في أن المصيب في الأصول واحد، والحق فيها واحد لا يتعدد([42])، والجمهور من هؤلاء أيضاً يقولون بأن الحق في نفسه واحد حتى في الفقهيات العلمية([43])، وإن ما ورد من ترتيب الأجر لكل مجتهد فليس لأجل أن الحق متعدد والكل مصيب، بل هو لبذل الجهد واستفراغ الوسع كما دلّ عليه منطوق الحديث فقد أثبت للمجتهد إصابة وخطأً.

قال ابن تيمية: "وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم... وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع".

ومراد شيخ الإسلام ابن تيمية هو الرد على من يقسمون مسائل الدين إلى أصول وفروع ويرتبون على هذا التقسيم أحكاماً لا دليل عليها كقبول المتواتر ورد الآحاد، وكما في هذه المسألة من العذر في الفروع دون العذر في الأصول وغير ذلك، وليس هذا محل بحث هذه المسألة.

كما أنه ينبه إلى أن مسائل الفقه مبنية على العلم وكثير منها قطعي وليس الأمر كما قاله أهل الكلام من أن الفقه ظني، ويجعلون هذا التقسيم مأخذاً آخر للتفريق بين أصول الدين وفروعه، ويبين رحمه الله أن هذا الزعم لا يعرف عند السلف([44]).

قال الجويني: "المجتهد مصيب من حيث عمل بموجب الظن بأمر الله، مخطئ إذا لم يُنِه اجتهاده إلى منتهى حَصْل العثور على حكم الله في الواقعة"([45]).

فالقول بأن لا حكم لله في الوقائع والأعيان يفضي إلى إفراغ عملية الاجتهاد من معناها، إذ لا مطلوب للمجتهد يسعى لتحصيله وهذا عبث ينزه الشارع عن الإتيان به كما يرده الإجماع الأول من الصحابة والتابعين المستند إلى النصوص القاطعة من الكتاب والسنة كما تقدم.



أنزل الله كتابه شفاءً لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولذلك كانت معانيه أشرف المعاني وألفاظه أفصح الألفاظ وأبينها وأعظمها مطابقة لمعانيها المرادة منها، كما وصفه الله تعالى بقوله: [وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا] {الفرقان:33}  ، فالحق هو: المعنى المدلول عليه الذي تضمنه الكتاب، والتفسير الأحسن هو: الألفاظ الدالة على ذلك الحق، والتفسير أصله من البيان والظهور([46])، فقد وصف الله كتابه بأوضح البيان وأحسن التفسير، فالمقصود بالخطاب دلالة المخاطب وإفهامه مراد المتكلم، وأن يبين له ما يريد بيانه من المعاني، وأن يدله على ذلك من أقرب الطرق فلا يكون العبد صادقاً في إسلامه وإيمانه حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله، وأن الهدى هدى الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الحق دائر مع رسول الله e وجوداً وعدماً.

وقد تطابقت شواهد القرآن والسنة والآثار على إثبات الصفات لله، وتنوعت دلالتها أنواعاً توجب العلم الضروري بثبوتها وإرادة المتكلم اعتقاد ما دلت عليه تلك الشواهد.

وتسليط التأويل على النصوص المشتملة على إثبات الصفات والأفعال مع كثرة تلك الشواهد ووضوحها أشدُّ من تسليط التأويل على النصوص التي فيها ذكر المعاد والجنة والنار والملائكة، وهذا ما فعلته الباطنية والفلاسفة وسائر الملاحدة، فإن فتح باب التأويل في هذه المسائل قد نهجوا فيه منهج المتكلمين من القول بإذن الظواهر غير مراده، والعقل يحيل ويمنع هذا الظاهر،ـ وهكذا تهدم الشريعة والملة الإسلامية، وذلك أثر واضح من آثار فقد اليقين في الشاهد القرآني([47]).

وأهل الكلام على تنوع مدارسهم يتأولون كثيراً مما ورد في القرآن الكريم في صفات الله وأفعاله زاعمين أن ذلك هو التنزيه المدلول عليه بقوله تعالى: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] {الشُّورى:11}  ، وليس الأمر كذلك في الحقيقة.

وقد لخص الفخر الرازي هذه القضية بقوله: "أعلم إن الدلائل القطعية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين([48])، وهو محال.

وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال، وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل إثبات الصانع وصفاته.. ولو جوزنا القدح في العقل صار متهماً غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً، وأنه باطل..."([49]).

وحاصل كلام الرازي أو ما عرف لاحقاً بقانون الرازي عند التعارض ـ المزعوم ـ بين العقل والنقل ما يلي:

1-              الجمع بينهما، وهو محال؛ لأنه جمع بين النقيضين.

2-              أن يردّا جميعاً، وهو محال، لأنه رفع للنقيضين.

3-              أن يقدم السمع، وهو محال، لأن العقل ـ عنده ـ أصل النقل، فلو قدمناه كان ذلك قدحاً في العقل، والقدح في أصل الشيء قدح فيه.

4-              أن يقدم العقل، وهو الواجب، ثم النقل بعد ذلك.

أما أن يُتأول، أو يفوّض العلم بمعناه، هذا مُحصّل قانون المتكلمين المرجوع إليه في ما يزعمونه من تعارض الدلائل السمعية والدلائل العقلية.

وهذا القانون الكلامي له صلة وثيقة بأصل الدين وقيام الحجة على المكلفين من جهة، ومن جهة أخرى فرع على قاعدة التنزيهات ومخالفة الحوادث التي هي بدورها ترجع إلى الأصل الأول عند المتكلمين ويعبرون عنه بالعقل أصل النقل كما يقول الرازي في النص المتقدم، وهذا القانون الكلامي يقدح كما هو ظاهر في يقينية الشاهد القرآني.

وقد أجاب أهل الإسلام عن هذه الشبهة الكلامية بما يلي:

أولاً: لا خلاف بأن الكتاب قد ورد بالتنبيه على فضل العقل، كما أن الله ذكر في كتابه أن من خالف هذا الكتاب فإنه من الذين لا يعقلون([50]).

ثانياً: لا خلاف بين المسلمين أن كتاب الله وسنة رسوله e لا يجوز ردّها بالعقل. بل العقل قد دلَّ على وجوب قبولهما والائتمام بهما([51]).

ثالثا: إجماع السلف الأول المستند إلى الكتاب الكريم، أن معرفة الله تعالى غير واجبة بالعقل بل ممكنة، وإنما وجبت بالسمع([52]).

رابعاً: إن القائلين بأن العقل أصل النقل مختلفون أشدّ الاختلاف فيما بينهم وكلٌ منهم يزعم أن الحق معه، وأن مخالفه أخطأ الصواب، والعقول بعدد بني آدم وما كان كذلك فلا يجوز أن تحال الأديان عليه، ولو جاز لكان ذلك من نصيب الرسل والأنبياء المعصومين، لكن الله لم يكل ذلك لعقل أحد، فعلمنا أن العقل ليس حجة في نفسه، بل هو آلة تمييز ومناط للتكليف فحسب، ولذلك لو قال قائل إن العقل ليس حجةً في نفسه وإنما تعرف به الحجة لم يكفر ولم يفسق، ولو قال: إن كتاب الله سبحانه ليس بحجة كان كافراً مباح الدم بالإجماع([53]).

خامساً: أن دعوى المتكلمين في أن العقل أصل النقل، نظير قول الصوفية أن الكشف والذوق أصل المعرفة وطريق ظهور الحقائق، وهو كذلك نظير قول الرافضة وسائر فرق الباطنية أن الإمامة أصل الدين، وأن الأئمة المعصومين هم وسيلة المعرفة الحقيقية للدين وشرائعه، وهكذا تهدم الشريعة ويُتخذ القرآن مهجوراً والموعد عند الله!! ([54]).

والرد الإجمالي على قانون المتكلمين ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله كثير من علماء السلف وملخصه ما يلي:

"إن كلام الرازي معارض بنظيره، فيقال: إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين ورفعهما رفع للنقيضين وهو محال، وتقديم العقل ممتنع، لأن العقل قد دل على صحة السمع، ووجوب قبول ما أخبر به الرسول e ، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل، لم يصلح أن يكون معارضاً للنقل، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجباً لعدم تقديمه، فلا يجوز تقديمه، وهذا بين واضح، فإن العقل هو الذي دلَّ على صدق السمع وصحته، وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل، لزم ألا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن العقل دليلاً صحيحاً، لم يجز أن يتبع بحال، فضلاً عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل"([55]).

 



الشاهد القرآني لغة عربية خاصة ومصطلح خاص تكلّم الله به وأنزله على رسوله لهداية الناس، وليس من الإيمان به وتوقيره أن يخرج به فهماً ودلالة عن سياقه العربي ومقصده الأصلي إلى متاهات الألسن وتشعبات اللغة. "فالاستدلال بالقرآن الكريم إنما يكون على لغة العرب التي نزل بها، قال تعالى: [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] {الشعراء:195}، بل إنه قد نزل بلغة قريش كما قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {إبراهيم:4}، فليس لأحد أن يحمل القرآن وشواهده على غير ذلك من عرف عام أو اصطلاح خاص، بل لا يحمله إلا على معاني عنوها بها إما في المعنى اللغوي أو أعم أو مغايراً له، على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته، ومتى فعل غير ذلك كان تحريفاً للكلم عن مواضعه..."([56]). 

إن فهم الصحابة والتابعين وسلف الأمة لألفاظ القرآن الكريم وأحاديث رسول الله e لم يتأت من قَبِل الألفاظ فحسب، بل يعضده في ذلك الفهم السليم للمعاني المقصودة بالخطاب، فالوقوف عند معنى اللفظ العربي هو التكليف الذي كُلفنا به([57])، فمن زعم فهماً يخالف فهم رسول الله e وفهم صحابته رضي الله عنهم فقد استدرك على الله وعلى رسوله، فأي أرض تقله وأي سماء تظله، وما مبلغه من العلم حتى يضع نفسه في هذا الموقف الخطير!!.

قال أبو إسحاق الشاطبي: "القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، لأن الله تعالى يقول: [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا] {يوسف:2}، وقال: [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] {الشعراء:195}، وقال: [لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ] {النحل:103}، وقال: [وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ] {فصِّلت:44}، إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب، لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة"([58]).    


ذهب جماعة من المتكلمين إلى أن الدلائل اللفظية لا تفيد اليقين لشبهات ذكروها، قال الرازي: "الدلائل اللفظية لا تكون قطعية، لأنها موقوفة على نقل اللغات، ونقل وجوه النحو والتصريف، وعدم الاشتراك والمجاز والتخصيص والإضمار، وعدم المعارض النقلي والعقلي([59])، وكل واحد من هذه المقدمات مظنونة والموقوف على المظنون أولى أن يكون مظنوناً، فثبت أن شيئاً من الدلائل اللفظية لا يمكن أن يكون قطعياً"([60]).

ومفاد كلام الرازي وجماعته أن العلم بمراد المتكلم موقوف على حصول العلم بما يدل على مراده، ولا سبيل إلى العلم بمراده إلا بانتفاء هذه الأمور التي ذكرها من الاشتراك والتخصيص والإضمار... إلخ.

والجواب العام الإجمالي عن هذه الشبهة هو أن قول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين إلا عند انتفاء الأمور العشرة المذكورة في كلام الرازي، نفي عام وقضية سالبة كلية، فإن أراد قائلها: أن أحداً من الناس لا يعلم مراد متكلم "ما" يقيناً إلا عند انتفاء هذه الأمور العشرة؟ فكذب ظاهر، وإن خصَّ ذلك بنصوص الكتاب والسنة ففرية ظاهرة أيضاً؟ فإن الصحابة كلهم والتابعين كلهم، وأئمة الفقه والتفسير والحديث كلهم لم يتوقف علمهم بمراد الله ورسوله على انتفاء هذه الأمور العشرة المذكورة، بل لم تخطر لهم على بال ولم يذكروها في كلامهم([61]).

فالناقلون لكلام الله وكلام رسوله e فهموا مراد المتكلم، ونقلوا إلينا ذلك المراد كما نقلوا اللفظ الدال عليه.

وكلا المقدمتين معلومة بالاضطرار، فإن الذين خاطبهم النبي e بدلائل الوحدانية والصفات والأفعال الإلهية، والصلاة والزكاة، والصوم، وغيرها من ألفاظ القرآن الكريم، يُعلم بالاضطرار أنهم فهموا مراده من تلك الألفاظ التي خاطبهم بها أعظم من حفظهم لها، ولهذا يضبط الناس من معاني المتكلم أكثر مما يضبطون من لفظه، فإن المقتضي لضبط المعنى أقوى من المقتضي لحفظ اللفظ؛ لأنه هو المقصود واللفظ وسيلة إليه([62]).

كذلك مما يبطل هذا الزعم الكلامي ما يلي:

1-      إن فهم مراد المتكلم ضروري في حياة بني آدم، فلابد من وجوده، فلو لم تفد الأدلة اللفظية العلم بمراد المتكلم لم يعش بنو آدم، واللازم منتف فالملزوم مثله.

2-      إننا نعلم قطعاً، أن جميع الأمم يعرف بعضهم مراد بعض بلفظه، ويقطع به، ويتيقنه، فقول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، قدح في العلوم الضرورية التي اشترك الناس في العلم بها.

3-      إن أهل اللغة لم يشرعوا للمتكلم أن يتكلم بما يريد خلاف الظاهر إلا مع قرينة تبيّن المراد، فحيث تجرد الكلام عن القرائن علمنا قطعاً أن ظاهره مراد، ولا يعدل عن الظاهر إلا بقرينة، سواء كانت عقلية أو لفظية أو حالية، لابد من وجودها، إلا إذا كان مراد المتكلم التلبيس والتعمية، وقد علم أن الشارع الحكيم إنما يريد الهداية والإرشاد، فإذا تجرد كلامه عن القرائن فهم معناه المراد عند الاقتران؟ فلا يقع اللبس، لا في مجرد الكلام، ولا في الكلام المقيد([63]).


 

الحمد لله.. وبعد فمن خلال ثنايا ما تقدم من مباحث ومسائل يظهر لنا ولو بصورة مختصرة شيء من معالم اليقين في شواهد التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منه خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ولعل خلاصة ما تقدم أن شواهد القرآن الكريم مما علم المسلمون لفظه ومعناه وتلقوه عن الرسول ـ e ـ وقرروه فيما بينهم، فكان ذلك إجماعاً منهم على الاعتماد الجازم والتصديق الأكيد بدلالة تلك الشواهد على الحق، وهذا الإجماع من ضروريات الدين وهو داحض لكل خلاف وشقاق لاحق في أوساط المسلمين.

ولعل من أبرز النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة ما يلي:

1-      إن الشواهد القرآنية هي: الألفاظ أو الكلمات أو الجمل من كلام الله ـ تعالى ـ وكلام الله صفة ذاتية فعلية وهو من صفات الكمال.

2-      إجماع السلف المستند إلى شواهد التنزيل والأثر على العلم بمعاني القرآن الكريم المستفاد من ألفاظه التي بلغت أعلى درجات الفصاحة والبيان.

3-      إن ما يزعمه بعض المتكلمين من تعارض الدلائل العقلية والسمعية أمر مخالف للإجماع القديم وبدعة شنيعة ترتب عليها تفريق الأمة واتباع غير سبيل المؤمنين.

4-      إن الزعم إن الدلائل اللفظية (شواهد التنزيل) لا تفيد اليقين أمر مخالف للحسّ والضروريات من حياة بني آدم، كما أنه قدح في التنزيل الذي وصفه الله بأنه هدى ورحمة ونور وشفاء، وآيات بينات، فإذا لم يفد اليقين، فمن ابن يستفاد إذاً؟

5-      إن الله تبارك جعل الحق في نفسه واحداً غير متعدد فلله في كل واقعة وفي كل عين حكم، علمه من علمه، وجهله من جهلة، ومع ذلك فلا يكلف الله نفساً ألا وسعها.

 



 

1-         الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، ط 1400هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

2-         الاستقامة، لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى 1403هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

3-         البحر المحيط، للزركشي، تحرير: عبدالستار أبو غدة، ط الثانية 1413هـ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت.

4-         البرهان في أصول الفقه، للجويني، تحقيق: د. عبدالعظيم الديب، ط الأولى، 1399هـ، قطر.

5-         تحرير القواعد المنطقية، لقطبي الدين الرازي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

6-         التهذيب شرح الخبيصي وحواشيه، ط 1355هـ، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.

7-         جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر، ط الأولى ، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة.

8-         الحجة في بيان المحجة، للأصبهاني، تحقيق: محمد المدخلي، ط الأولى، 1411هـ، دار الراية، الرياض.

9-         الحدود الانيقة والتعريفات الدقيقة، زكريا الأنصاري، تحقيق: مازن المبارك، ط الأولى 1411هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

10-    درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط الأولى، 1403هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

11-    الرد على من أنكر الحرف والصوت، للجزي، تحقيق: محمد بالكريم، ط الأولى 1414هـ، دار الراية، الرياض.

12-    روضة الناظر وجنة المناظر، لابن قدامة، تحقيق: د. عبدالكريم النملة، ط الأولى، 1413هـ، مكتبة الرشد، الرياض.

13-  شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم اللالكائي، تحقيق، د. أحمد سعد حمدان، ط الرابعة، 1416هـ، دار طيبة، الرياض.

14-    شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: التركي والأرناؤوط، ط الثامنة، 1416هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.

15-    الشريعة، لأبي بكر الآجري، تحقيق: الوليد بن محمد الناصر، ط الأولى، 1417هـ، مؤسسة قرطبة للنشر القاهرة.

16-    صحيح البخاري، المطبعة السلفية، القاهرة.

17-    صحيح مسلم، دار الدعوة، تركيا.

18-    فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ط الأوى 1407هـ، دار الريان، للتراث، القاهرة.

19-    الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، تحقيق: محمد نصير وعبدالرحمن عميرة، ط 1402هـ، شركة عكاظ للتوزيع والنشر.

20-    الفوائد، لابن قيم الجوزية، تحقيق: ماهر عبدالرزاق وزميله، ط الثالثة، 1420هـ، القاهرة.

21-    فواتح الرحمن شرح مسلم الثبوت، لابن عبدالشكور، ط الأولى 1323هـ، بولاق، مصر.

22-    القواعد المثلى، محمد بن صالح العثيمين، ط الثالثة 1408هـ، دار عالم الكتب، الرياض.

23-    كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، طبعة مرتبة، وفق الترتيب الألفبائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

24-    كشف الأسرار عن أصول البزدوي، عبدالعزيز البخاري، ط ، 1394هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.

25-    مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد، تصوير الطبعة الأولى 1398هـ.

26-    مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم، أختصره: محمد الموصلي، نشر: مكتبة الرياض الحديثة.

27-    المستصفى، للغزالي، مطبعة بولاق 1328هـ، مصر.

28-    المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة تركيا.

29-    مفتاح دار السعادة، لابن القيم، نشر: مكتبة الرياض الحديثة.

30-    المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت.

31-    الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلان، ط ، 1400هـ، دار المعرفة، بيروت.

32-    منهاج السنة النبوية، لابن تيمية،تحقيق: محمد رشاد سالم، ط الأولى 1406هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

33-    النبوات، لابن تيمية، ط الأولى، 1346هـ، إدارة الطباعة المنيرية ، القاهرة.



 


















 

 



([1] )   العين، للخليل بن أحمد (1075).
([2] )   المعجم الوسيط (1066).
([3] )   المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصهاني (522).
([4] )   مجموع الفتاوى (3/329).
([5] )   الفوائد، لابن القيم (256).
([6] )   الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة،ـ لزكريا الأنصاري (68).
([7] )   روضة الناظر وجنة المناظر، لابن قدامة (1/29) تحقيق: د. النملة.
([8] )   ينظر: مجموع الفتاوى (10/645) والكليات، للكفوي (824).
([9] )   معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (3/221).
([10] )   كتاب العين، للخليل بن أحمد (498).
([11] )   المعجم الوسيط (497).
([12] )   الكليات، للكفوي (442).
([13] )   كشاف اصطلاحات الفنون (1/1002).
([14] )   مدارج السالكين، لابن القيم (3/450).
([15] )   ينظر: مدارج السالكين (3/451) وشرح العقيدة الطحاوية (1/43-49).
([16] )  انظر في ما تقدم: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (2/241) والشريعة، للآجري (1/214) وشرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العز (1/185).
([17] ) انظر: مجموع الفتاوى (6/219)  ومختصر الصواعق (2/517) والقواعد المثلى، لابن عثيمين (45)
([18] ) أخرجه  اللاكاني في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/398) والدارمي في الرد على الجهمية (55-56) وغيرهم كثير وهو ثابت عن الأمام مالك رحمه الله كما نص على لأهل العلم ، انظر مختصر العلو الذهبي، اختصار الالباني (141)
([19] )  قياس التمثيل هو: إثبات الحكم للجزئي لثبوته في جزئي آخر لاشتراكهما في العلة، كالبيز محرم قياس على الخمر، لاشتراكها في علة الإسكار. انظر: تحرير القواعد المنطقية، لقطب الدين الرازي (138) والتهذيب شرح الخبيصي وحواشيه (363).
([20] )   قياس الشمول هو: قول مؤلف قضايا يا إذ أسلمت لزم عنها قول آخر  وهو قياس المناطقة كقولهم : كل غنسان حيوان وكل حيوان حاسي ، فالنتيجة إنسان حاسي انظر: المراجع السابقة.
([21] )  انظر: صحيح البخاري كتاب التوحيد (7481- 7485- 7492- 7493- 7509-7511-7513- 7515- 7518)
([22] )  انظر: الحجة في بيان المحجة لابي القاسم الاصبهاني (1/329) ومنهاج السنة لابن تيمية (2/98) ودرء تعارض العقل والنقل ، لابن تيمية( 2/79) وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (1/185)
([23] )   انظر: فتح الباري ، للحافظ ابن حجر (13/469-485).
([24] )   انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت، للسجزي (108).
([25] )   أخرجه مسلم في صحيحه (806) والنسائي (39-40) والحاكم (1/558) وصححه ووافقه الذهبي، وانظر كذلك حديث عبد الله بن مسعود t عند ابن أبي شيبه (10/61)  وسنده صحيح
([26] ) أخرجه البخاري (8473) ومسلم (222) 
([27] )   انظر: النبوات ، لابن تيمية (162).
([28] )   أخرجه البخاري
([29] )   مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/302) مكتبة الرياض الحديثة.
([30] )   أخرجه مسلم في صحيحه (2865).
([31] )   النبوات، لابن تيمية (152) وانظر: قواعد المنهج السلفي للدكتور/ مصطفى حلمي (132).
([32] )   مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم (1/117). والرسالة للشافعي (51) تحقيق: أحمد شاكر، د.ن.
([33] )   قال المحقق الشيخ أحمد شاكر: المعرفة مصدر استعمل هنا في معنى اسم المفعول، أي: كانت هذه الوجوه أمراً معروفاً واضحاً عند أهل العلم باللسان مستنكراً عند غيرهم. أ.هـ.
([34] )   الرسالة، للشافعي (51-52-53) باختصار.
([35] )   انظر: الرسالة للشافعي (88-89) وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر (2/33) والأحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (1/97).
([36] )   أخرجه مسلم (1716).
([37] )   الملل والنحل، للشهرستاني (1/202) والأحكام، للآمدي (4/154)، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي (4/107) البحر المحيط، للزركشي (6/241) ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (13/124).
([38] )   الملل والنحل للشهرتاني (2/203) والمستصفي (2/106) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/376).
([39] )   انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (1/54).
([40] )   المراجع السابق (1/54).
([41] )   المراجع السابق (1/57).
([42] )   انظر: الملل والنحل، للشهرستاني (2/203) والمستصفى (2/106) وفواتح الرحموت (2/376).
([43] )   انظر: المصادر السابقة.
([44] )   انظر: الاستقامة، لابن تيمية (1/48-49) والفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (3/291-292).
([45] )   البرهان في أصول الفقه (2/424).
([46] )   مختصر الصواعق المرسلة (1/59).
([47] )   انظر: شرح العقيدة الطحاوية،ـ لابن أبي العز (1/257) ودرء تعارض العقل والنقل (1/202-203) ومجموع الفتاوى (5/17).
([48] )   النقيضان: هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان، كالعدم والوجود، انظر: التعريفات، للجرجان (92).
([49] )   أساس التقديس، للفخر الرازي (220-221) وانظر: الإرشاد، للجوني (352) والمستصفى، للغزالي (2/137).
([50] )   انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت، للجزي (95).
([51] )   انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/5- 349) والملل والنحل للشهرستاني (1/101).
([52] )   انظر: التبصرة في أصول الدين، لأبي الفرج الشيرازي (23)، درء تعارض العقل والنقل (9/17-38).
([53] )   انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت (94) ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (20/91)، والمغني، لابن قدامة (12/275).
([54] )   شرح العقيدة الطحاوية (1/227-228) وكتاب درء تعارض العقل والنقل جميعه في إبطال هذه الشبهة الكلامية ينظر (1/4).
([55] )   انظر: درء التعارض (5/339).
([56] )   نقض تأسيس الجهمية لابن تيمية (1/492-493).
([57] )   ينظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة، للالكائي (3/578)، وأعلام الموقعين، لابن القيم (1/155).
([58] )   الموافقات للشاطبي، تحقيق عبدالله دراز (2/64).
([59] )   تقدم في الفقرة السابقة الجواب عن شبهة إفادة النقل لليقين.
([60] )   أساس التقديس، للرازي (222) وانظر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، له أيضاً (51) وشرح المواقف، للجرجاني (2/51-52).
([61] )   انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، تحقيق، د. علي الدخيل الله (2/693).
([62] )   المرجع السابق (1/633-634).
([63] )   المرجع السابق (633-690) وانظر: الرسالة، للشافعي (42-50) تحقيق: أحمد شاكر، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (16/442) ودرء تعارض العقل والنقل (1/15).

هناك تعليق واحد:

  1. Play Baccarat at Baccarat in Your Own State - Wor
    How do หาเงินออนไลน์ you play Baccarat at Baccarat? In Baccarat, the player bets on the winner, a spin 바카라 사이트 on the number of tricks the dealer 제왕 카지노 has won. Once that's done, the player is

    ردحذف