الأربعاء، 20 يناير 2016

حقوق الإنسان .. المفهوم .. والأثر

حقوق الإنسان .. المفهوم .. والأثر
عبدالله عبيد الحافي
من الأمور المسلمة أن مصطلح حقوق الإنسان بصيغته المعاصرة والمتداولة عالميا هو من إفرازات الثقافة الأوروبية التراكمية، فهو نتاج معرفي تأسس ونشأ في ظل ظروف اجتماعية وسياسية ودينية عصفت بالأمة الأوروبية، فأخذت تلك الآراء والرؤى تتبلور وتمحص شيئا فشيئا حتى نضجت تلك الآراء وآمن بها كثير من الناس وأنزلوها في قلوبهم منزلة العقيدة، وعملوا على تحقيقها من الناحية العملية. ولا شك أن تلك الأمنيات ــ سابقا ــ الحقوق فيما بعد، تتوزع على مجالات ونواح متعددة من نظم الحياة وجوانبها، ولا يمكن أن تتصور أنها تقف عند جانب ترفيهي أو حقوق فردية شخصية، يؤكد هذا التصور تلك الأسباب والدوافع التي أدت إلى المناداة بتلك الحقوق ووجوب ضمانها للفرد وعدم انتهاكها والتعدي عليها، وهي أسباب ودوافع ناشئة من انحراف السلطة الروحية التي تمثلها البابوية الكنسية والسلطة الزمانية التي تمثلها الإمبراطوريات المتعاقبة في أوروبا، فلا يمكن الفصل بين الأسباب والنتائج كما لا يمكن الفصل بين النتيجة والأثر المترتب عليها، ولعل «نظرية الحرية» المستندة عند دعاتها إلى ما يعرف بـ «الحقوق الطبيعية أو القانون الطبيعي» تمثل الإطار المعرفي الذي يستمد منه دعاة حقوق الإنسان في الغرب مبادئ دعوتهم العامة والتفصيلية، فما يطلق عليه الفرنسيون: اتركه يعمل، اتركه يمر، وما يطلق عليه الإنجليز: دع كل شيء حرا، فمعناه أن للإنسان حقوقا طبيعية مستمدة من طبيعته الإنسانية لازمة لإنسانيته ينظمها قانون طبيعي سابق في الوجود لمن يريد أن يقيدها أو يحد من نشاطها، وعلى الجميع أن يعترفوا بهذه الحقوق، وقد توسع فلاسفة الغرب في تعداد هذه الحقوق ومناقشة ما تنطوي عليه من معان بدءا بالفيلسوف الروماني «شيشرون» والفيلسوف الإيطالي «ميكافلي» و«جان يودان» و«جون لوك» و»هوبز» إلى المحدثين من أمثال «ستيورات مل» و»آدم سميث»، وقد استنبط هؤلاء مجموعة من المبادئ السياسية والاجتماعية التي هي في جوهرها من فروع القانون الطبيعي، وقد جاءت معظم الدساتير الحديثة في الغرب وكثير من بلاد العالم متفقة مع ما قرره هؤلاء الفلاسفة، ومن هذه المبادئ: احترام الحريات المدنية، والحريات السياسية، والحريات الدينية، وحق إبداء الرأي والتفكير وما ينطوي تحت هذه المبادئ من تفصيلات وجزئيات يصعب حصرها.
لقد أفرز هذا الفكر عبر السنين الطويلة، استنادا لتلك المبادئ السابقة، مجموعة من المفاهيم المعرفية كالتعددية السياسية، وإتاحة الفرصة لقوى المجتمع المدني ومؤسساته للعب دور بارز وفاعل في الحياة العامة وتوجيهها وهذا ما يعرف في الفكر السياسي بالديمقراطية الليبرالية، ففي تقارير نشرتها مؤسسة «بيت الحرية» وهي مؤسسة أمريكية يزيد عمرها على 70 عاما، أنه في عام 2000 كانت هناك 120 دولة من دول العالم الـ 129 أو ما يوازي 60 في المائة من مجموعها تعد ديمقراطيات ليبرالية.
إعلان
وعودا على بدء فقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 الدعوة إلى الحكم الديمقراطي، إذ جاء في المادة (21) «إرادة الشعب هي مناط سلطة الدولة».
وهذا يكشف بوضوح عن منظومة الفكر الغربي وحلقاتها المترابطة وأنهم يملكون منهجا دقيقا في تسيير شؤون الدنيا، وأن هؤلاء القوم قوم عقلاء في إقامة الدنيا ومصالحهم الحياتية، هل استطعنا نحن المسلمين اليوم أن نبرز الصورة الحقيقية للإسلام في جانبه التشريعي الذي يعد مستندا لحقوق الإنسان من واقع الإسلام نفسه بعيدا عن الدخول في المقارنات التي تخرج الحديث عن روحه وموضوعه..
إنني أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الهيئات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان الرسمية والأهلية على حد سواء هو اكتشاف المنهج الإسلامي في تقرير هذه الحقوق والضمانات التي تقدمها الشريعة الإسلامية لحمايتها وصيانتها، واستنباط الركائز الأساسية التي تنبني عليها وتتفرغ منها حقوق الإنسان في الإسلام، وصياغة ذلك بطريقة توافق روح العصر ولغته، آخذة في الاعتبار أن هذا المصطلح ــ حقوق الإنسان ــ أصبح علما على مجموعة من العلوم والمسائل التي نالت قدرا كبيرا من الاستقلال لظروف عالمية دفعت في هذا الاتجاه، وفي ذلك إبراز لجانب من جوانب الإسلام الحضارية يسهم بشكل كبير في شرح الإسلام ومحاسنه من خلال ميدان يعد من أهم الميادين التي تتسابق الأديان والمذاهب على اختلافها في نيل السبق في مضماره من خلال إبراز ما لديها من قواعد ونظم في هذا الشأن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق