الجمعة، 1 يناير 2016

دليل الجواهر والأعراض النشأة والأثر


 

 

 

 

دليل الجواهر والأعراض

النشأة والأثر

عرض ونقد في ضوء العقيدة الإسلامية

 

 

تأليف

د/ عبدالله عبيد عباد الحافي

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة المساعد

بكلية الملك خالد العسكرية

الرياض

1434هـ


ملخص بحث

العنوان (دليل الجواهر والأعراض، النشأة والأثر عرض ونقد في ضوء العقيدة الإسلامية)

الباحث/ د. عبدالله عبيد عباد الحافي

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة المساعد بكلية خالد العسكرية ـ الرياض ـ

البريد الإلكتروني dr.alhafi@gmail.com

جوال/ 0555499956

الدالة المفتاحية (فلسفة / جوهر / عرض / عقيدة إسلامية / المتكلمين / السلف)

هذا البحث يناقش قضية حدوث العالم عند المتكلمين الإسلاميين من خلال عرض أهم دليل عندهم على هذه المسألة وهو (دليل الجواهر والأعراض) الدال على حدوث الأجسام والعالم الطبيعي, وأهداف البحث التي يرمي إلى إيضاحها هي:

(1)     التعريف بحقيقة دليل الجواهر والأعراض عند المتكلمين, وكذلك ما يطلقون عليه الجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ.

(2)     إيضاح صورة هذا الدليل النهائية ومركباته عند القائلين به, وكيفية إنتاجه للمطلوب وهو حدوث العالم.

(3)     الكشف على مدى مشروعية هذا الدليل, وبيان موقف السلف منه.

(4)  الإسهام في خدمة الباحثين في العقائد الإسلامية, وذلك بالكشف عن جذور هذه المسألة التي تعد من أهم المسائل التي أثرت في حياة المسلمين.

وكان منهج البحث المتبع هو المنهج التحليلي واستخدم المنهج المقارن في بعض المسائل.

وأهم نتائج البحث أن هذا الدليل مبتدع والسلف ينكرونه ويرونه محرماً وليس على سلوكه دليل شرعي بل ضرره أكثر من نفعه.


Abstract

Title

Guide jewel and symptoms, origin and impact

Presentation and criticism In light of the Islamic faith

In light of the Islamic faith

Researcher: Dr. Abd Allah Obid Abd Al-Hafi

 Professor of religion and contemporary doctrines Khalid Military College - Riyadh

Email: dr.alhafi@gmail.com

Cell: 0555499956

 

Keywords are(the core /adjective / speakers / ancestors / Islamic faith / theology)

 

This research discusses the issue of world for Islamic speakers through the presentation of the most important evidence they have on this issue (cores and adjectives evidence)which refers to the formation of objects and the natural world. The objectives of the research which aim to be clarified are;

 

1. Definitionof evidence of cores andadjectives of speakers, as well as what they call the essence of the individual or an integral part.

 

2. Clarifyingthe final image of this evidence and its parts forits followers and how therequired is produced (the world configuration).

 

3. Detecting over the legality of this evidence and the positiono ancestors f.

 

4. Contributing to the service of researchers in Islamic doctrines. In addition, disclosing the root of this issue, which is one of the most important issues in the lives of Muslims.

 

The research method is the Descriptive analytical method. I use the Comparative approach in some issues.

 

The ancestors’ situation was the to refuse and prohibit this evidence because it makes a lot of doubts for its followers.

 



الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.. أما بعد:

فإن الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله e والاقتداء والاهتداء بسلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان هو حبل النجاة وهو الركن الذي من آوى إليه فقد أوى إلى ركن شديد وهذا المسلك هو الحق الذي أمر الله باتباعه واجتناب ما يخالفه من السبل المفضية إلى الهاوية والحيرة والتفرق والاختلاف، فالعناية بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والإقبال عليها تعلماً وتعليماً وتدبراً ذلك هو العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح وهذان الأمران عليهما مدار النجاة أو العطب فلابد من علم وعمل، ولابد من دليل صحيح لكليهما لاسيما في أصول الاعتقاد ومسائل الدين الكبار وقد أوضح الله تعالى الدين وأكمله، لاسيما العلم بالله رباً وخالقاً وإلهاً ومعبوداً ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، وكل ذلك فطري ضروري فجاءت الآيات البينات موافقة ومصدقة لما رسخ في الفطرة الإنسانية وشهدت بصدقه وصحته، ولكن قوماً من المسلمين عدلوا عن طريقة القرآن في طلب العلم والاستدلال إلى طرق ظنوها عقلية لأمور اعتقدوها صحيحة وليست كذلك، ومن ذلك ما نهجه أهل الكلام على اختلاف مدارسهم في الخوض في ما يسمونه (الجواهر والأعراض) واعتبار ذلك دليلاً على حدوث العالم ثم التزام مقدمات وقواعد ناتجة عن القول بهذا الدليل، وسلوك هذا الطريق ترتب عليها تحريف كلام الله وكلام رسوله e عن مواضعه، وتعطيل الرب بنفي وتأويل الكثير من أسمائه وصفاته وأفعاله وهذا من شؤم البدعة وسلوك غير سبيل المؤمنين، وهذا البحث يناقش هذا المسلك الكلامي في الاستدلال على حدوث العالم (ما سوى الله تعالى) بدليل الجواهر الفردة والأعراض.

أهداف البحث:

1-              التعريف بحقيقة دليل الجواهر والأعراض عند المتكلمين وكذلك ما يطلقون عليه الجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ.

2-      الكشف عن صورة هذا الدليل النهائية ومركباته عند القائلين به وإنتاجه للمطلوب الذي يهدف إليه أهل الكلام وهو حدوث العالم.

3-              الكشف عن مدى مشروعية هذا الدليل، وبيان موقف السلف منه.

4-      الإسهام في خدمة الباحثين في العقائد الإسلامية وذلك بمحاولة بيان جذور أهم قضية كلامية أثرت سلباً على النصوص من الكتاب والسنة.

 

منهج البحث:

المنهج الذي سرت عليه في كتابة هذا البحث هو المنهج التحليلي مع استخدام المنهج المقارن في بعض المسائل.

وقد جاء البحث مكوناً مما يلي:
الفهارس.




 

الحديث عن الجذور الكلامية هنا المقصود به ما يستند إليه أهل الكلام في هذا المسلك معتقدين نسبته إلى الإسلام نفسه بحسب فهمهم وإن كانوا مخطئين في ذلك الفهم وتلك النسبة إلى الإسلام، وليس المقصود بالجذور والبحث فيها هنا البحث عن المصادر الأجنبية التي استقي منها هذا الفكر من أصحاب الديانات والمقالات من الأمم الأخرى، فقد نسب كثير ممن بحثوا في هذا المسألة ـ الجواهر والأعراض ـ هذه النظرية الكلامية إلى اليونان، وبعضهم نسبها إلى الفرس وآخرون نسبوها إلى أديان الهنود([1]).

وكل من هؤلاء يذكر ما يستند إليه في صحة هذه النسبة، وليس هذا محل البحث في مسألتنا هذه.

ويمكن إرجاع القول بدليل الجواهر والأعراض عند المتكلمين إلى مقدمات كل منها مترتبة على ما قبلها وأثر مباشر لها والحقيقة أن هذه المقدمات هي نقطة التفرق والخلاف المنهجي بين أهل الكلام بمدارسهم المتنوعة وبين سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وأول المقدمات هو: هل أصل الدين هو توحيد الألوهية ـ العبادة ـ المتضمن معرفة الله والإقرار بربوبيته، أم أن أصل الدين هو معرفته أولاً ثم توحيده ثانياً؟

نتح عن هذه المسألة مسألة ثانية وهي المقدمة الثانية في معرفة الجذور الكلامية لدليل الجواهر والأعراض وهي: ما هو أول واجب على المكلف، ولا شك أن أول واجب سيكون التحقق بأصل الدين المتقدم والقول فيه كالقول في حقيقة أصل الدين.

فهل هو التوحيد ـ الألوهية ـ المتضمن للمعرفة، أي أن من وحدّ الله في عبادته فقد أقرَّ بربوبيته وأثبت وجوده ولابد فالأول متضمن للثاني.

أو أن الواجب هو المعرفة ثم الاعتقاد بعد تحقق المعرفة، أي المعرفة الداعية إلى التوحيد، وهذه المسألة تقود إلى المقدمة الثالثة وهي تظهر بجلاء ووضوح عند المتكلمين وهي: ما هو سبيل وطريق المعرفة ـ معرفة الله تبارك وتعالى ـ والطريق إلى هذه المعرفة عند المتكلمين هو العقل، فقد سلك المتكلمون مسلكاً عقلياً محضاً مبناه على النظر العقلي المجرد، والدليل العقلي عندهم هو: ما يدل بذاته من غير احتياج إلى غيره كالسمع ونحوه، فإثبات الرب ووجوده مدركه عقلي محض فلا يصح الاستدلال عليه بالسمع وإلا لزم الدور وهو عيب في الدليل يؤدي إلى بطلان مدلوله، فمن هذه المقدمات الثلاث وهي:

1- حقيقة أصل الدين.

2- أول واجب على المكلف.

3- أن معرفة الله مدركها عقلي لا سمعي عند المتكلمين.

أقول: فمن هذه المقدمات الثلاث نتج القانون الكلي الكلامي "العقل أصل النقل" واستمر هذا القانون حاكماً على النقل بمعنى أنه المقدم عند التعارض كما هو متوهم عند سائر المتكلمين وهذه قاعدة عامة فيما يتعلق بأصول الدين وقواعده المتقدمة على العلم بكلام الله، فما يسبق ثبوت كلام الله تعالى في الترتيب فيستحيل ـ عند المتكلمين ـ أن يكون مدركه السمع (النقل) وإلا لزم الدور وهو محال([2]).

هذه هي الجذور الكلامية لنشوء دليل الجواهر والإعراض عند المتكلمين وفيما يأتي سأعرض لهذه الجذور بشيء من التفصيل والإيضاح من خلال ما كتبه أهل الكلام أنفسهم.


المتكلمون يذهبون إلى أن أصل الدين وحقيقته هو معرفة الرب تبارك وتعالى وهي أمر مقدم على كل ما سواه، يقول القاضي عبدالجبار بعد أن قرر وجوب النظر لمعرفة الله تعالى: ".. لأنه تعالى لا يُعرف ضرورة، ولا بالمشاهدة، فيجب أن نعرفه بالتفكر والنظر"([3])  فهو يقرر هذا القول عن المعتزلة وقال أبو الحسن الأشعري: "أول الواجبات معرفة الله تعالى"([4]).

ويقول الرازي: "المشهور في بيان وجوب النظر: أن معرفة الله تعالى واجبة، ولا يمكن تحصيلها إلا بالنظر، وما يتوقف عليه الواجب المطلق، وكان مقدوراً للمكلف فهو واجب"([5]).

ويقول ابن خلدون: "أول الواجبات المعرفة: وقيل النظر المفيد لنا وقيل القصد إليه، والخلاف لفظي، لأن المراد إن كان المقصود بالذات عند من يجوّزه، والثاني عند غيره، وإلا فالقصد"([6]).

ويقول صاحب المواقف في علم الكلام: "قد اختلف في أول واجب على المكلف فالأكثر على أنه معرفة الله تعالى إذ هو أصل المعارف الدينية وعليه يتفرع وجوب كل واجب، وقيل هو النظر فيها ـ أي المعرفة ـ لأنه واجب وهو قبلها وقيل أول جزء من النظر ...."([7]).

وهذا الخلاف الذي يشير إليه الايجي في النص المتقدم ليس خلافاً في وجوب المعرفة وأنها أصل الدين عند المتكلمين وإنما هو خلاف في الوسيلة التي تحصل بها المعرفة، فالنظر واجب وجوب الوسيلة من باب ما لا يتم الواجب إلا به، والمعرفة واجبة وجوب المقاصد، فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، وأول واجب وجوب المقاصد هو معرفة الله.

وكذا القاضي الباقلاني بعد أن قرر أن أول واجب هو النظر قال: "..لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار ولا مشاهد بالحواس، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله، بالأدلة القاهرة والبراهين الباهرة"([8]).

ومما يؤكد أن أصل الدين عند المتكلمين هو المعرفة ما ذكره الآمدي حيث يقول: "أجمع أكثر أصحابنا والمعتزلة، وكثير من أهل الحق من المسلمين على أن النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى واجب، غير أن مدرك وجوبه عندنا ـ يقصد الأشاعرة ـ الشرع، خلافاً للمعتزلة في قولهم: إن مدرك وجوبه العقل دون الشرع"([9]) فمعرفة الله عندهم كسبية تحصل بالنظر والاستدلال وإن اختلفوا في مأخذ وجوبها.

فمعرفة الله مقصد والوسيلة إلى هذا المقصد يحددها أهل الكلام في النظر على خلاف بينهم أيضاً في درجاته وكيفياته([10])، فالمتكلمون يرون أن معرفة الله كسبية نظرية، فالله تعالى يعرف عندهم بالأدلة التي يستدل بها عليه، أي أن معرفة الله تعالى متوقفة على الاستدلال على إثبات وجوده ووحدانيته، فالمعرفة هي أصل الدين والوسيلة هي النظر العقلي في آثاره ومصنوعاته وإثبات حدوثها وهذا هو محل بحثنا وهو دليل الحدوث وهو أن هذا العالم المشاهد مكون من جواهر وأعراض وهي حادثة ولابد لها من محدث.

ولاشك أن هذا المنهج الكلامي في تحديد أصل الدين وكذلك في تحديد الوسيلة إليه هو سلوك منهج جدلي يثبت الربوبية على منكريها ولا يجوز بأي حال أن تكون هذه الجزئية لو سلمنا بصحتها إجمالاً هي أصل الدين وفيصل التفرقة بين الإسلام وغيره من الملل، وسيأتي مزيد إيضاح في المباحث القادمة لبيان حقيقة أصل الدين والوسيلة إلى ذلك وأدلته من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ومثل مسلك المتكلمين نجد أن الباطنية على اختلاف فروعها ومسمياتها ومنهم الرافضة الأثناعشرية يرون أن السبيل إلى معرفة الله وإثبات وجوده متوقف على الإمام المعصوم أو نائبه الفقيه أو المعلم المعصوم([11]).

وهكذا الصوفية يرون أن معرفة الله تحصل بالكشف، والوسيلة إليه هي الرياضات والمجاهدات([12]) ولا شك في أن هؤلاء جميعاً قد جانبوا الصواب والحق في معرفة ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله e في هذا الأمر العظيم كما جانبوا ما عليه صحابة رسول الله رضي الله عنهم الذين هم سادات أهل العلم والعمل.


بعد أن قرر المتكلمون أن معرفة الله هي أصل الدين حصروا وسيلة الوصول إلى معرفة الله في النظر والتفكر وبهذا يكون الوحي خارجاً عن أسباب الهداية في هذا الأمر العظيم وشبهتهم هي: إن إثبات الكلام (الوحي) متوقف على إثبات وجود المتكلم وفرع عليه فلا يكون دليلاً على إثبات المتكلم، فلابد أولاً من إثبات وجود المتكلم بأمر خارج ـ الدليل العقلي ـ ثم بعد ذلك إثبات أنه متصف بالكلام، ثم إثبات أن هذا الذي جاء به الرسول هو كلامه ويعرف ذلك بطريق المعجزة التي يخلقها الله تصديقاً لحامل رسالته إلى الناس.

وقد تقدم في الفقرة السابقة ذكر نصوص عدد من المتكلمين تدل على أن المعرفة بالله وبربوبيته أمر متوقف على النظر والاستدلال العقلي، واذكر هنا عدداً آخر من كلامهم يؤكد ما سبق كما يؤكد أن العقل هو الطريق إلى هذه المعرفة أما السمع فهو عاضد ومؤكد فقط في أحسن أحواله، يقول القاضي عبدالجبار: "قد بينا من قبل أنه ـ أي الدليل السمعي ـ لا يدل على ما لولا العلم به لما علم كونه دلالة، لأن ذلك يوجب كون الفرع دالاً على أصله وذلك يتناقض... فلهذه العلة لا يجوز أن يدل الخطاب على التوحيد والعدل ومقدماتهما، لأنا لا نعلمه دلالة إلا بعد العلم بجميع ذلك"([13]).

ويقول أيضاً: "وأما الثاني: وهو الكلام في أن معرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل، فلأن ما عداها فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله، فلو استدللنا بشيء منها على الله والحال هذه كنا مستدلين بفرع للشيء على أصله، وذلك لا يجوز.

بيان هذا؛ أن الكتاب إنما ثبت حجة متى ثبت أنه كلام عدل حكيم لا يكذب ولا يجوز عليه الكذب، وذلك فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله؛ وأما السنة فلأنها إنما تكون حجة متى ثبت أنها سنة رسول عدل حكيم وكذا الحال في الإجماع، لأنه إنما يستند إلى الكتاب في كونه حجة، أو إلى السنة، وكلاهما فرعان على معرفة الله تعالى"([14]).

ويقول أبو المعالي الجويني: "فأما ما لا يدرك إلا عقلاً فكل قاعدة في الدين تتقدم على العلم بكلام الله تعالى ووجوب اتصافه بكونه صدقاً؛ إذ السمعيات تستند إلى كلام الله تعالى، وما يسبق ثبوته في الترتيب ثبوت الكلام وجوباً فيستحيل أن يكون مدركه السمع"([15]).

وكلام الجويني هنا واضح فإن معرفة الله لا طريق إليها إلا الطريق العقلي، ومراده بقوله "إذ السمعيات تستند إلى كلام الله" مقصوده: هو عموم الأدلة السمعية من الكتاب والسنة وليس مراده بالسمعيات ما يقابل الآلهيات في تقسيمهم لمباحث العقيدة في مصنفاتهم.

ويقول أبو حامد الغزالي: "ومن أراد إثبات الكلام ـ كلام الله ـ بالإجماع أو بقول الرسول e فقد سام نفسه خطة خسف، لأن الإجماع يستند إلى قول الرسول، ومن أنكر كون الباري متكلماً فبالضرورة ينكر تصور الرسول"([16]).

ويقول أيضاً: "إن ما لا يعلم بالضرورة ينقسم إلى ما يعلم بدليل العقل دون الشرع فهو حدوث العالم ووجود المحدث وقدرته وعلمه وإرادته، فإن كل ذلك ما لم يثبت الشرع لم يثبت الشرع، إذ الشرع يبنى على الكلام فما لم يثبت الكلام لم يثبت الشرع"([17]).

هذا التقرير من الغزالي وقبله شيخه الجويني كل هذا يؤكد أن طريق معرفة الله تعالى لا يكون عندهم إلا بالعقل أما السمع فهو عاضد ومؤيد، وهم يسمون الأدلة السمعية في جانب المعرفة والإثبات بالأدلة الإقناعية أو الخطابية وهذا من إعراضهم عن تدبر الدلائل القرآنية والنبوية التي دلت على هذا الأمر، وعادة المتكلمين أن يترجموا هذه المسألة (بحدوث العالم) ويحتجون فيها على إثبات الأعراض وحدوثها وملازمتها للأجسام، مع إبطال حوادث لا أول لها ويتوسلون بذلك إلى حدوث جملة الجواهر والأعراض لاعتقادهم انحصار العالم في الجواهر والأعراض([18]).

وخلاصة القول أن العقل هو الأصل والمعتمد عند المتكلمين وعليه المعوّل في إثبات الربوبية والوحدانية وغيرها من أصول الدين الكبار([19]).

فلما تقررت هذه المقدمات وهي أن أصل الدين معرفة الرب وإثبات وجوده فلا يجب شيء من الدين قبل تحقيق هذه المعرفة، وهي لا تكون إلا بالعقل ولا تكون بالسمع كما تقدم كان هذا هو المدخل إلى النظر في حدوث العالم وإثبات أنه محدث عن طريق حدوث الأجسام والأجسام محدثة بحدوث ما يستلزمها من الأعراض، وهذا هو دليل الجواهر والأعراض، الذي هو أصل الدين والعمدة في معرفة الخالق والمخلوق عندهم، وهذه المسألة تحديداً وما تفرع عنها من مسائل وأحكام هي لبُ علم الكلام الذي ذمّه السلف واشتد نكيرهم على أصحابه، وصنفوا الكتب وأعلنوا القول بالنكير عليهم وتحذير الأمة من بدعتهم.


يجمع الباحثون على أن هذا المنهج هو الذي سلكه الجهمية المتقدمون وتلقفه منهم المعتزلة ومنهم انتشر إلى سائر الفرق الكلامية فهو طريق حادثة في الدين لم تكن معهودة ولا معروفة قبل الجهم بن صفوان يقول ابن تيمية: "لم يكن في الصحابة والتابعين يستدل على حدوث العالم بحدوث الأجسام، ويثبت حدوث الأجسام بدليل الأعراض والحركة والسكون، والأجسام مستلزمة لذلك لا تنفك عنه، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث، ويبنى ذلك على حوادث لا أول لها، بل أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى من جهة الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد"([20]).

هذه هي الجذور الزمانية لهذه البدعة وما قبلها يمكن تسميته بالجذور الفكرية أو العلمية لها، وسيأتي أن ذلك ليس من علم الكتاب والسنة، ولم يكن معروفاً عند سلف الأمة.




الحديث فيما يأتي سيكون في حقيقة دليل الجواهر والأعراض عند المتكلمين، وبيان المقدمات التي ينبني عليها وصورته النهائية التي تفضي إلى مدلوله ونتيجته عند القائلين به وسيكون الحديث عن ذلك في النقاط الآتية:


في البداية يجب أن نعلم أن هذين المصطلحين (الجوهر، العرض) من المصطلحات الحادثة في مباحث العقيدة، وسيأتي في مسائل قادمة بيان الموقف الصحيح من الحكم بها أو عليها في مسائل التوحيد والصفات، والذي يهمنا هنا هو معرفة حقائق هذه المصطلحات عند المتواضعين عليها الذين بنوا عليها دليلهم على حدوث العالم من المتكلمين أو غيرهم.


قال الفيلسوف الكندي: "الجوهر، هو القائم بنفسه، وهو حامل للأعراض..."([21]) ويقول الخوارزمي، "الجوهر: هو كل ما يقوم بذاته، كالسماء والكواكب، والأرض وأجزائها، والماء والنار والهواء، وأضاف النبات والحيوان وأعضاء كل واحد منها"([22]).

ويقول ابن سيناء في كتابه الحدود: "الجوهر: اسم مشترك يقال جوهر لذات كل شيء كان كالإنسان أو كالبياض، ويقال جوهر لكل موجود لذاته لا يحتاج في الوجود إلى ذات أخرى يقارنها حتى يقوم بالفعل؛ وهذا معنى قولنا: الجوهر قائم بذاته، ويقال جوهر لما كان بهذه الصفة وكان من شأنه أن يقبل الأضداد بتعاقبها عليه، ويقال جوهر لكل ذات وجوده ليس في محل، ويقال جوهر لكل ذات وجوده ليس في موضوع وعليه اصطلح الفلاسفة القدماء..."([23]).

ويلاحظ في تعريف الفيلسوف ابن سيناء أن تعريفه للجوهر متفق مع قول الفلاسفة بقدم العالم.

ويقول أبو المعالي الجويني: "فإن قيل ما حدّ الجوهر... قلنا: الجوهر قد ذكرت له حدود شتى غير أنا نقتصر على ثلاثة منها.

فنقول: الجوهر: المتحيز، وقيل: الجوهر ما له حجم، وقيل: الجوهر ما يقبل العرض"([24]).

ويعرف أبو حامد الغزالي الجواهر بكلام لا يخرج عما سبق ولكنه يزيد في إيضاح حقيقة الجوهر وعلاقته بالجسم فيقول: "المتكلمون يخصصون اسم الجوهر بالجوهر الفرد المتحيز الذي لا ينقسم، ويسمون المنقسم جسماً لا جوهراً، وبحكم ذلك يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على الله عز وجل"([25]).

ويعرّفه سيف الدين الآمدي بنحو تعريف ابن سيناء والغزالي فيقول: "وأما الجوهر فعلى أصول الحكماء ـ الفلاسفة ـ هو الموجود لا في موضوع... وأما على أصول المتكلمين، فالجوهر عبارة عن التحيز، وهو ينقسم إلى بسيط، ويعبر عنه بالجوهر الفرد، وإلى مركب وهو الجسم، فأما الجوهر الفرد؛ فعبارة عن جوهر لا يقبل التجزؤ لا بالفعل ولا بالقوة، وأما الجسم؛ فعبارة عن المؤلف من جوهرين فأكثر"([26])، قلت، قال الكفوي: "الفلاسفة يطلقون الجسم على ما له مادة، والجوهر على ما لا مادة له"([27]).

فالجواهر عند الفلاسفة موجودة لا في موضوع فهي من المجردات أما عند المتكلمين فلا جوهر إلا المتحيز القابل للإشارة الحسية، فإن كان قابلاً للقسمة فهو الجسم وإن لم يقبل القسمة فهو الجوهر الفرد وهو العنصر الأول في تكوين الأجسام.

يقول أبو المعين النسفي: "إن العالم بجميع أجزائه محدث إذ هو في القسمة الأولى ينقسم إلى قسمين: أعيان وأعراض، ونعني بالأعيان ما له قيام بذاته، وهو إما مركب وهو الجسم، وإما غير مركب، وهو الجزء الذي لا يتجزأ، وهو الجوهر في عرف أهل الكلام.."([28]).


الجواهر الفردة أجزاء صغار متحيزة لا تقبل الانقسام؛ لأن انقسامها يؤذن بتكوينها من أجزاء أخرى غير متناهية، والجسم ليس مركباً من أجزاء لا نهاية لها بالفعل، فالأجسام تتناهى في تجزئتها حتى تصير أفراداً، وكل جزء لا يتجزأ فليس له طرف واحد شائع لا يتميز، وإلى ذلك صار بعض المتعمقين في الهندسة وعبروا عن الجزء الذي لا يتجزأ بالنقطة وقطعوا بأن النقطة لا تنقسم، أما الفلاسفة فقد ذهب معظمهم إلى أن الأجرام لا تتناهى في تجزئتها([29]).

وأشهر أدلة المتكلمين كما يقول السعد التفتازاني ما يلي:

1-   أنه لو وضع كرة حقيقية على سطح حقيقي لم تماسّه إلا بجزء غير منقسم إذ لو ماسّته بجزأين لكان فيها خط بالفعل فلم تكن كرة حقيقية على سطح حقيقي.

2-   لو كان كل عين منقسماً لا إلى نهاية لم تكن الخردلة أصغر من الجبل؛ لأن كلاً منهما غير متناهي الأجزاء، والعظم والصغر إنما هو بكثرة الأجزاء وقلتها، وذلك إنما يتصور في المتناهي.

3-   أن اجتماع أجزاء الجسم ليس لذاته وإلا لما قبل الاختراق، فالله تعالى قادر على أن يخلق فيه الاختراق إلى الجزء الذي لا يتجزأ لأن الجزء الذي تنازعنا فيه إن أمكن افتراقه لزم قدرة الله تعالى عليه دفعاً للعجز، وإن لم يكن ثبت المدّعي([30]).


يذهب جمهور المتكلمين القائلين بالجوهر الفرد إلى أن الجواهر متجانسة ومتماثلة وهكذا الأجسام المكونة من الجواهر فحكمها حكم أصلها وهو أنها متجانسة ومتماثلة، فالجوهر الفرد عنصر مشترك لجميع الأجسام في العالم الطبيعي وطبيعته واحدة، وإنما يرجع التباين والاختلاف الملحوظ في الأشياء إلى ثبوت الأعراض، فاختلاف الجواهر أو اتفاقها إنما هو لما فيها من الأعراض، فما دامت الجواهر جنس واحد وهي التي تتكون باجتماعها الأجسام فكذلك الأجسام هي متجانسة أيضاً في أصلها وإنما تختلف صورها وأحكامها تبعاً لما يقوم بها من الأعراض([31]).

وهذه القاعدة الكلامية ذات تأثير كبير في نفي وتأويل كثير من الصفات الذاتية والفعلية الثابتة لله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية، إذ أن إثباتها يقتضي التمثيل بالأجسام على حد زعم أهل الكلام والأجسام متماثلة ومتجانسة فما ثبت لأحدها يثبت للآخر، ومثل تجانس الجواهر وتماثلها ما يتعلق بكونها متحيزة وهو أخص صفاتها عند المتكلمين كما تقدم واستخدم هذا الأصل أيضاً لنفي وتأويل كثير من الصفات والأفعال الثابتة لله تبارك وتعالى لأن إثباتها يقتضي التحيز الذي هو من صفات المحدثات عند المتكلمين فينزه الله تعالى عنه وعموماً، فقد اتخذت هذه الفلسفة أداة من أدوات التعطيل، وسيأتي الحديث عنها لاحقاً إن شاء الله، ولن أتحدث هنا عن حدوث الجواهر أو الأجسام لأن إثبات ذلك عند المتكلمين إنما يتم بإثبات حدوث الأعراض التي تقوم بها فما قامت به الحوادث أو ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث وسيكون الحديث عن هذه المسألة يعد الحديث عنه الإعراض وبيان حقيقتها عند المتكلمين.



قال الجرجاني: "العَرَضَ: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع ـ أي محل ـ يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم هو به، والإعراض على نوعين: قارُّ الذات وهو الذي يجتمع أجزاؤه في الوجود كالبياض والسواد، وغير قارِّ الذات وهو الذي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود كالحركة والسكون"([32]).

وقال: "العرض: ما يتعرض في الجوهر مثل الألوان والطعوم والذوق واللمس وغيره مما يستحيل بقاؤه بعد وجوده"([33]).

ويقول الجويني: "فأما العرض فقد قيل: ما يقوم بالجوهر، وقيل ما يطرأ على الجوهر، كالألوان والطعوم والروائح والعلوم والقُدر، والإرادات الحادثة وأضدادها والحياة والموت.

وقيل: العرض ما يستحيل عليه البقاء"([34]).

وقال أيضاً: "العَرَضَ هو المعنى القائم بالجوهر، كالألوان والطعوم والروائح، والحياة والموت والعلوم والإرادات والقدر القائمة بالجوهر، ومما يطلقونه الأكوان؛ وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ويجمعها ما يخصص الجوهر بمكان أو تقدير مكان"([35]).

وقيل: "العرض ما لا يقوم بذاته، بل بغيره بأن يكون تابعاً له في التحيز أو مختصاً به اختصاص الناعت بالمنعوت لا بمعنى أنه لا يمكن تعقله بدون المحل"([36]).

وعرّفه الغزالي فقال: "العَرَض اسم مشترك فيقال لكل موجود في محل عرض، ويقال عرض لكل موجود في موضوع.."([37]).

ويقول الخوارزمي: "العرض هو ما يتميز به الشيء عن الشيء لا في ذاته؛ كالبياض والسواد، والحرارة والبرودة ونحو ذلك"([38]).

وقال في مفاتيح العلوم: "العرض هو أحوال وصفات الجوهر، كالحركة في المتحرك والبياض في الأبيض"([39]).

وقال في المواقف: "العرض عندنا موجود قائم بمتحيز... وهو إما أن يختص بالحي وهو الحياة وما يتبعها من الإدراكات وغيرها كالعلم والقدرة، وإما أن لا يختص به وهو الأكوان.. وأنواع كل واحد من هذه الأقسام متناهية بحسب الوجود، دلَّ عليه الاستقراء"([40]).

والأكوان التي يذكرها الايجي هي ما تشترك فيها الأحياء مع غيرها من الأجسام وهذه الأكوان هي ما يعرف عند المتكلمين بالأكوان الأربعة وهي (الحركة والسكون والاجتماع والافتراق)([41]).


إثبات الأعراض معناه إقامة الدليل على وجودها حقيقة مغايرة للأجسام وهي مسألة غير مسألة إثبات حدوثها، فالمتكلمون يبحثون قضية الأعراض أولاً في وجودها ثم في حدوثها ثم الاستدلال بها على محِدثها وموجدها.

يقول القاضي عبدالجبار: "الأعراض لا نحتاج إلى إدراكها على طريق الجملة فإنها مدركة، وإنما نحتاج إلى إثباتها على طريقة التفصيل؛ هل هي نفس المحل على ما يقوله نفاه الأعراض، أو غيره على ما نقوله.

والذي يدل على أنها غير المحل هو ما قد ثبت أن الأجسام متماثلة، ومعلوم أن الأسود يخالف الأبيض، فلولا أن هذه المخالفة ترجع إلى معان فيه، وإلا لم يجز ذلك"([42]).

ويستدل على إثبات الأعراض بدليل آخر وهو وجود هذه الأعراض وقيامها بالجسم كالشهوة مثلاً فيقول: "إن الواحد منا حصل مشتهياً مع جواز أن لا يحصل مشتهياً، والحال واحدة، والشرط واحد، فلابد من مخصص له ولمكانه حصل مشتهياً، وإلا لم يكن بأن يحصل على هذه الصفة أولى من أن لا يحصل على خلافها، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى الشهوة" ثم يبين وجه الاستدلال على إثبات العَرَض ـ الشهوة ـ المغايرة للجسم أو المحل الذي قامت به فيقول: "وإنما قلنا هذا هكذا لأنه لا يخلو، إما أن يكون ذاته أو ما هو عليه في ذاته أو غيره، ولا يجوز أن يكون ذاته أو ما هو عليه في ذاته، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مشتهياً أبداً وذلك مستحيل فوجب أن يكون معناها ـ الشهوة ـ غير ذاته وغير ما هو عليه في ذاته..."([43]) وبهذه الطريقة يثبت المتكلمون الأعراض كالحياة والقدرة وغيرها.

ومن الأدلة التي يحتج بها المتكلمون أيضاً الحركة بعد السكون وعكسه إذ لا يجوز أن يكون ذلك التحرك لعينه لوجود عينه حال سكونه وكذا العكس فثبت قيام معنى آخر غير عينه أوجب ذلك التغيّر ـ الحركة والسكون ـ([44]).

وكذلك يستدلون بما يسمونه حصول فوائد الأعداد في الأفعال كقول القائل: ضربت زيداً عشرين سوطاً، والضارب واحد والمضروب واحد والآلة واحدة، فعلمنا أن العشرين عدد راجع إلى غير الضارب والمضروب والسوط وذلك هو الضرب فصحّ أن الضرب أعراض ولولاها بطلت فائدة هذا العدد وهذه الدلالة.


أجمع المتكلمون على حدوث الأعراض وإنها مسبوقة بالعدم، قال البغدادي: "اختلف الذين أثبتوا الأعراض في حدوثها: فقال المسلمون وكل من أقرَّ بشريعة بحدوثها([45]).

ويستدل القاضي عبدالجبار على حدوثها"، فيقول: "وأما حدوثها، فالذي يدل عليه هو ما قد ثبت أنه يجوز عليها: العدم والبطلان، والقديم لا يجوز عليه العدم والبطلان وهذه الدلالة مبنية على أصلين: أحدهما، أن الأعراض يجوز عليها العدم، والثاني، أن القديم لا يجوز عليه العدم"([46]).

ثم أقام القاضي الدليل على صحة الأصلين المذكورين عنده فقال: "أما الدليل على أن الأعراض يجوز عليها العدم فهو ما ثبت أن المجتمع إذا افترق بطل اجتماعه، وأن المتحرك([47]) إذا سكن بطلت حركته وفي ذلك ما نريده"([48]) ففارقت بذلك القديم، ويقول الجويني: "والدليل على حدوث الأعراض ـ أنا نرى الأعراض المتضادة تتعاقب على محالها، فنستيقن حدوث الطارئ منها من حيث وجدت، ونعلم حدوث السابق منها، من حيث عدمت، إذ لو كانت قديمة لاستحال عدمها، لأن القدم ينافي العدم، وإن ما ثبت له القدم استحال عليه العدم"([49]).

ويقول القاضي الباقلاني: "والدليل على حدوث الأعراض: ما هي عليه من التنافي والتضاد فلو كانت قديمة كلها لم تزل موجودة، ولا تزال كذلك، ولوجب متى كانت الحركة في الجسم أن يكون السكون فيه، وذلك يوجب كونه متحركاً في حال سكونه، وميتاً في حال حياته وفي بطلان ذلك دليل على طروق السكون بعد أن لم يكن، وبطلان الحركة عند مجيء السكون والطارئ بعد عدمه والمعدوم بعد وجوده محدث باتفاق، لأن القديم لا يحدث ولا يعدم ولا يبطل"([50])، ويقول سعد الدين التفتازاني: "فنقول الكل ـ الأعراض والجواهر ـ أما الأعراض، فبعضها بالمشاهدة كالحركة بعد السكون، والضوء بعد الظلمة، والسواد بعد البياض، وبعضها بالدليل، وهو طريان العدم كما في أضداد ذلك، فإن القدم ينافي العدم، لأن القديم إن كان واجباً لذاته فظاهر، وإلا لزم استناده إليه بطريق الإيجاب"([51]) أي وإلا لزم التسلسل وهو باطل، فالمتكلمون يستدلون على حدوث الأعراض، إما بالمشاهدة، وإما بالدليل كما يقول التفتازاني.

ومن أدلتهم أيضاً الاستدلال على حدوث الأعراض بإمكانها لاحتياجهـا إلى ذات تقوم بها، أي افتقارها واحتياجها إلى المحل والإمكان والافتقار علامة الحدوث([52]) كذلك من الأدلة على حدوث الأعراض عدم بقاءها، وهو ما يعبرون عنه بقولهم: [العرض لا يبقى زمانين] وهذا واضح في كلام التفتازاني السابق عند قوله: "وبعضها بالدليل وهو طريان العدم" أي يعرف حدوثه بعدمه بعد وجوده أو وجوده بعد عدمه؛ ولأنها لو بقيت امتنع زوالها وهو خلاف الحس، فالأعراض جملتها على التقصي والتجدد، وتخصيص كل بوقته للقادر المختار([53]).

يقول القاضي الباقلاني: "العرض: هو الذي يعرض في الجوهر، ولا يصح بقاؤه وقتين، يدل على ذلك قولهم: عرض لفلان عارض من مرض وصداع، إذا قرب زواله ولم يعتقد دوامه، فكل شيء قرب عدمه وزواله موصوف بذلك، وهذه صفة المعاني القائمة بالأجسام، فوجب وصفها في قضية العقل بأنها أعراض"([54]).

فالعَرضَ اسم لما يمتنع بقاؤه، يقال: عرَضَ لفلان أمر، أي معنى لا قرار له، ويقال: هذا أمر عارض([55])، فمأخذه في الاشتقاق اللغوي ينبئ عن عدم بقائه ودوامه، فالعرض كما تقدم في تعريفه اسم لما لا قيام له بذاته، بل يفتقر في وجوده إلى محل يقوم به.

فلو بقيت لكانت متصفة بصفة قائمة بها وهي البقاء، والبقاء عرض، فيلزم منه قيام

العرض بالعرض وهو خلاف المعقول؛ لأن العرض لا قيام له بنفسه، فهو لا يقوم إلا بالمتحيز بالذات كما تقدم([56])، فالحاصل أن الأدلة على حدوث الأعراض مستفادة مما يلي:

1-              الحس والمشاهدة.

2-              الأدلة والبراهين على حدوثها وإمكانها كما تقدم.

3-              أن العرض لا يبقى زمانين.

4-              الاشتقاق اللغوي لكلمة (العَرَضَ).



بيّن القاضي عبدالجبار مسالك المتكلمين في إثبات حدوث الأجسام وبين أن لهم ثلاث مسالك في الاستدلال على حدوث الأجسام.

1-      الاستدلال بالأعراض على الله تعالى، ثم نعرف صحة السمع، ثم نستدل بالسمع على حدوث الأجسام.

2-   أنهم يستدلون بالأعراض على الله تعالى ويعلمون قدمه ثم يقولون: لو كانت الأجسام قديمة لكانت مثلاً لله تعالى، والله لا مثل له فيجب أن لا تكون قديمة، وإذا لم تكن قديمة وجب أن تكون محدثة؛ لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين.

3-      إن الأجسام لم تنفك عن الحوادث ولم تتقدمها، وما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه يجب أن يكون محدثاً مثله([57]).

ويقول القاضي إن هذا المسلك الثالث هو المعتمد عند أهل الكلام وهو مبنيٌ على أربع دعاوى.

الأولى: أن في الأجسام معاني هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون.

الثانية: أن هذه المعاني محدثة.

الثالثة: أن الجسم لم ينفك عنها ولم يتقدمها.

الرابعة: أنها إذا لم ينفك عنها ولم يتقدمها وجب حدوثه مثلها([58]).

وهذه الطريقة تعرف بطريقة المعتزلة وتنسب إلى أبي الهذيل العلاف أحد كبار المعتزلة وقد تابعه من جاء بعده من شيوخ الاعتزال كما تابعهم على هذا المسلك جمهور المتكلمين من سائر الفرق([59]).

يقول القاضي الباقلاني: "والدليل على حدوث الأجسام: أنها لم تسبق الحوادث، ولم تخل منها، لأننا باضطرار نعلم: أن الجسم لا ينفك من الألوان، ومعاني الألوان منه الاجتماع والافتراق، وما لا ينفك من المحدثات، ولم تسبقه كان محدثاً.."([60]).

وقد أطال القاضي عبدالجبار في شرح الدعاوى الأربع التي يثبت بها حدوث الأجسام عند المتكلمين وفي أثناء ذلك يورد المعارضات التي يوردها الخصوم ويجيب عنها بما يراه مؤيداً لما يقول ويعتقد مثبتاً بذلك تلك الدعاوي الأربع، وخلاصة ما حرره وقرره في ذلك ما يلي:

1-   فيما يتعلق بالدعوى الأولى وهي أن الأجسام لا تخلو من معاني الاجتماع والافتراق والحركة والسكون، فذلك لأن الجسم حصل مجتمعاً في حال يجوز أن يبقى مفترقاً، والحال واحدة والشرط واحد، فلابد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل مجتمعاً، وإلا لم يكن بأن يحصل على هذا الوجه أولى من خلافه وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى.

2-   فيما يتعلق بالدعوى الثانية وهي أن الأعراض حادثة، فقد تقدم ذكر ما قرره في إثبات هذه الدعوى عند الحديث عن حدوث الأعراض في ما تقدم من مسائل.

3-   أما فيما يتعلق بالدعوى الثالثة وهو أن الأجسام لا يجوز خلوها من هذه المعاني (الأكوان) فيقال: لو جاز خلوها عن هذه المعاني، لجاز خلوها عنها الآن بأن يبقى ما كان عليه من الخلو، فوجب لو جاز خلوه عنها في كل حال من الأحوال أن يجوز خلوه عنها الآن بأن يبقى على ما كان عليه من الخلو، وهذا يوجب لو أخبرنا مخبر بأن في أقصى بلاد العالم جسماً ليس بمجتمع ولا مفترق ولا متحرك ولا ساكن أن نصدقه والمعلوم خلافه.

وملخص ما تقدم: أن الجسم لابد أن يكون متحيزاً، ولا يكون متحيزاً إلا وهو كائن، ولا يكون كائناً إلا بكون فثبت أن الجسم لا يخلو من الحوادث وبالتالي فهو حادث.

4-   أما الدعوى الرابعة وهي أن ما لا ينفك عن الحوادث ولم يتقدمها فهو حادث فدليل حجتها: أن الجسم إذا لم يخل من الحوادث ولم تقدمها وجب أن يكون حظه حظها وهو الحدوث، فالجسم لا يكون متقدماً على هذه المعاني (الأكوان) فوجب أن لا يكون قديماً، وإذا لم يكن قديماً وجب أن يكون محدثاً؛ لأن الموجود يتردد بين هذين الوضعين([61]).

وبناءً على ما تقدم قرر المتكلمون دليلهم فقالوا: إذا كانت الأجسام محدثة فلابد لها من محدث لامتناع التسلسل وبطلانه([62])، ولا يجوز أن تكون قد أحدثت نفسها ولا أن تكون حدثت من غير شيء فلابد من محدث وهو الله تعالى هكذا يتسلسل (دليل الحدوث) عند المتكلمين وبعضهم يسميه دليل (الحدوث والقدم) ليصل إلى النتيجة وهي أن الله خالق كل شيء.  

وهذا المنهج الكلامي كما تقدم هو منهج جدلي، فالمتكلمون اعتمدوا على إثبات المعرفة أولاً لكي لا يقعوا في الدور، وهو: "توقف الشيء على ما يتوقف عليه" وبطلانه من الأمور البدهية وذلك لما يترتب عليه من تقدم الشيء على نفسه، وتأخره عنها، فيكون متقدماً متاخراً وعلة ومعلولاً في آن واحد وهذا مستحيل([63]).

ثم قرروا حدوث العالم بجواهره وأجسامه وأعراضه وقرروا أدلة حدوثه كما تقدم ولكن هذا الدليل كما هو واضح لا يتم الاستدلال به إلا بالقول بامتناع حوادث لا أول لها، لأن القول بحوادث لا أول لها يبطل القول بحدوث العالم عندهم، وقد قال المتكلمون بهذا، وهذا ما يعرف عندهم ببطلان التسلسل فقالوا: ما لا يخلو من الحوادث ولم يتقدمها فهو حادث وهذه القضية ـ التسلسل ـ أبطلوها بأدلة معروفة عندهم كبرهان التطبيق، والتكافؤ، والسبر والتقسيم وغيرها، والمراد بالتسلسل: ترتيب أمور غير متناهية، وهو أن يستند الممكن أو الحادث إلى علة، وتلك العلة إلى علة، وهلم جرا إلى غير نهاية([64])، وقد ترتب على هذا المبدأ الكلامي القول بامتناع حوادث لا أول لها بالمفهوم الكلامي إنكار مقتضى صفات الله في الأزل من الخلق والكلام وكل صفة متعلقة بمشيئته وقدرته وذلك فراراً منهم من القول بقدم العالم، فهم يؤمنون بأن الله الأول الذي لا شيء قبله، لكن يعطلونه عن أفعاله فيفترضون زماناً ليس لله فيه فعل ولا خلق وبعده بدأ الخلق وظهر الفعل.

وخلاصة ما تقدم أن أهل الكلام قالوا بنفي الصفات لأنها: إما أعراض، أو تفضي إلى التجسيم، وكل ذلك ممنوع ويحيله العقل لما تقدم من مخالفته للحوادث بنا على دليل الجواهر والأعراض.

وهكذا نفوا الأسماء؛ لأن إثباتها يلزم منه إثبات ما دلت عليه من المعاني والقول في ذلك كالقول في الصفات، فيقولون أنها تدل على الذات فقط فهي مترادفة أو هي مجاز وليست حقيقة وهكذا الصفات الاختيارية، كالأفعال والكلام هي أيضاً مما نفاه القائلون بهذا الدليل التزاماً منهم بحقيقته عندهم لأن إثباتها يفضي إلى اتصاف القديم بصفات المحدثات أو يلزم من التجسيم وهكذا([65]). فأصبح دليل التوحيد عند المتكلمين هو عينه دليل التعطيل وهذا منه شؤم البدعة، وهم كما هو معلوم من مذاهبهم بين مقل ومستكثر من هذه البدع الشنيعة، لكن هذه قاعدتهم العامة الكلية. وبعد الحديث عن حقيقته هذه المسألة عند المتكلمين أتحدث فيما يأتي عن موقف السلف من هذه القضية وذلك في الفصل الآتي.

 




تقدم أن المتكلمين يعتمدون دليل الجواهر والأعراض كأصل في معرفة حدوث العالم والتوصل بذلك إلى وجود محدِثه ومبدعه، وأن هذا الدليل يحظى بعناية فائقة لدى المدارس الكلامية المتنوعة، ولأجل عدم انتقاض هذا الدليل من قبل خصومهم التزم المتكلمون لوازم اعتقدوها لوازم صحيحة كما اعتقدوا أنهم لا يستقيم لهم هذا الدليل إلا بالتزام تلك الآثار التي من أبرزها نفي كثير من الصفات الذاتية والفعلية كالكلام والعلو ونحوها من الصفات كما تأولوا رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة وهم في ذلك بين مقل ومستكثر في هذا الباب، فقد صار كل ما يقع تحت حد العرَضَ أو الجواهر الفردة التي تتكون منها سائر الأجسام ـ عند المتكلمين ـ وهي متماثلة صار كل ذلك سبباً للتأويل الذي هو في حقيقته تعطيل وقول في الله وعلى الله بلا علم ولا برهان، بل بما يعلم ضرورة مخالفته لكتاب الله ولسنة رسوله e ولا جماع الصحابة والتابعين على إثبات الكمال لله ومن ذلك إثبات ما أثبته لنفسه وأثبته له رسول الله e من الأسماء والصفات إثباتاً حقيقياً بلا تمثيل وتنزيهه عن مماثلة المخلوقات والمحدثات تنزيهاً بلا تعطيل، وسيكون عرض منهج السلف حول نقدهم لهذا الدليل واعتباره ضربٌ من التكلف والتوهم من خلال النقاط الآتية:


يرى السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان أن أصل دين الإسلام الذي دلَّ عليه القرآن الكريم ودعا إليه خاتم الأنبياء والمرسلين هو توحيد الله في ألوهيته وعبادته، أي إفراد الله تعالى بالعبادة وإخلاص الدين له، فجميع الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد e يفتتحون دعوتهم لأممهم وأقوامهم بأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له وترك ما يعبده المشركون كما قال تعالى: [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ] {النحل:36}  .

وقال تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ] {الأعراف:59}  .

وقال: [وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ] {الأعراف:65}  .

وقال: [وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ] {الأعراف:73}  .

وقال: [وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ] {الأعراف:85}  .       

وقال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] {الأنبياء:25}  .

وهذا هو معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" أي لا معبود بحق إلا الله، فعبادة الله تعالى هي مدلول شهادة أن لا إله إلا الله ، فهي تثبت العبادة لله وحده وتنفيها عما سواه، وقال رسول الله e : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... الحديث"([66]) وعلى هذا فأصل دين الإسلام هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وهذا التوحيد متضمن للإقرار بربوبيته، فمن عبد الله فقد وحده ومن لم يلتزم بعبادته ويفرده بها فلا ينفعه إقراره بوجوده وربوبيته، فأصل الدين الإسلامي هو إفراد الله بالعبادة والقيام بذلك قولاً وعملاً وقصداً، ولذلك يطلق بعض العلماء على توحيد العبادة بأنه التوحيد الطلبي الإرادي وبعضهم يسميه توحيد القصد والطلب وحقيقة ذلك جميعه أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، بل إن من المتكلمين من يرى أن أصل الدين هو عبادة الله وحده وأن الإقرار بالربوبية أمر فطري، يقول الشهرستاني: "فإن الفطر السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها على صانع حكيم عالم قدير [أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ] {إبراهيم:10}  ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشرك"([67]).

فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية بمعنى أن من عبد الله وحده فقد أقرَّ بوجوده وبربوبيته فتوحيد الربوبية جزء من توحيد الألوهية لقد قال السلف بموجب هذه النصوص بعيداً عن الفلسفات والأوضاع الكلامية المستقاة من مصادر أخرى غير الكتاب الكريم والسنة المطهرة، فأصل الدين الإسلامي حقيقته في غاية الوضوح والبيان، بل هي أوضح مسألة في كتاب الله وأفصح قضية جهر بها رسول الله e وأظهر أمر عرفه وفهمه الأمة الذين بُعث فيهم فلا مجال للتأويل ولا للتحريف ولا مسلك للاجتهاد بعد هذا البيان الشافي والكافي وليس معنى هذا الكلام أن المؤمن والمسلم يعبد من لا يعرف ولا يقر بوجوده، بل المعنى  أنه ليس هناك دعوة للمعرفة والإقرار سابقة على الدعوة إلى التوحيد والعبادة بل هما متلازمتان، فليس هناك فاصل زمني يُدعى فيه المكلفون إلى الإقرار بالربوبية ثم يدعون بعد ذلك إلى العبادة، بل أصل الدين هو الدعوة إلى توحيد العبادة، والإقرار بالرب ووجوده جزء من هذا التوحيد، وهذا يقودنا إلى المسألة الثانية في عرض مذهب السلف وموقفهم من دليل الجواهر والأعراض، وهي مسألة أول واجب على المكلف.


كما أن أول واجب عند المتكلمين هو النظر المؤدي إلى أصل الدين عندهم وهي المعرفة بناءً على مسلكهم العقلي النظري، فإن أول واجب عند السلف هو عبادة الله والإقرار له بذلك لا شريك له وهو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله التي هي شعار الإسلام وعنوانه وأول ما يؤمر به الداخل في الإسلام فهي إعلان واعتراف وإقرار بأن العبادة حق لله تعالى والتزام بذلك ودعوة إليه واجتناب للشرك وأهله وبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله وبغض لهم وما هم عليه من الشرك والكفر بالله، ويدل على هذا ما تقدم في المسألة السابقة عند الحديث عن أصل الدين وأنه توحيد الله وذلك بإفراده بالعبادة لا شريك له فيها، ومن الأدلة التي تضاف إلى ما سبق من الأدلة في المسألة السابقة قوله e لمعاذ t حينما بعثه إلى اليمن: "أنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ... الحديث"([68]) وفي لفظ: "إلى أن يوحدوا الله"([69]).

وهذا واضح في أنه لا واجب قبل الشهادتين وإعلان أن الله تعالى وحده هو المعبود بحق، والكفر بما يعبد من دونه كائناً ما كان قال ابن المنذر: "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام، وهو بالغ صحيح يعقل: أنه مسلم"([70]).

وقال ابن حزم: "أول ما يلزم  كل أحد ولا يصح الإسلام إلا به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين وإخلاص لا يكون لشيء من الشك فيه أثر وينطق بلسانه ولابد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... وهو قول جميع الصحابة وجميع أهل الإسلام"([71]).

وقال أبو المظفر السمعاني: "إن القول بأن أول الواجبات هو النظر قول مبتدع لم يكن معروفاً عند الصحابة ولا التابعين، إذ لو كان معروفاً لنقلوه لنا لشدة اهتمامهم بهذا الدين، كيف والمدَّعى أنه أول الواجبات، وإنما المعروف أنهم كانوا يدعون إلى الإسلام، وهم الذين نقلوا طريقة الرسول e في دعوته، مما يدل على أن المستقر عندهم هو أن أول شيء يدعى إليه الكافر هو الشهادتان وهما أول واجب"([72]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ"([73]).

وقال العلامة ابن القيم: "أجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله e فقد دخل في الإسلام"([74]).

بل إن عدداً من المتكلمين يرون أن أول الواجبات هو عبادة الله وحده، يقول الشهرستاني: "... ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشرك، "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" "فاعلم أنه لا إله إلا الله"، ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد ونفي الشرك"([75]).

فالإجماع القطعي قائم على ما دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية من أن أول ما يجب وأول ما يدعى إليه المكلفون هو شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله التي حقيقتها عبادة الله وحده لا شريك له وهذا التوحيد ـ الألوهية ـ متضمن لأصول الدين الكبرى وهي توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأصول الكبار قد دلت عليها وشهدت بها النصوص والعقول والفطرة([76]).


إن مفتتح دعوة كل رسول هو الأمر بعبادة الله تعالى وهذا دليل على أن معرفة الله الخالق الرازق المحيي المميت أمر مركوز ومغروس في فِطَر الخلق، فتكون الدعوة إلى العبادة هي إرشادهم وهدايتهم إلى ما يستحقه الله من العبادة وإنها حق خالص لله لا شريك له فيها، وتقويم الانحراف الواقع في تلك الأمم والتصورات والاعتقادات المخالفة للحق، ولذلك جاء في القرآن آيات كثيرة تدعوا المشركين إلى عبادة الله وفيها تذكيرهم بإقرارهم بربوبية الله وأنه المالك الخالق الرازق الذي خلقهم وخلق الذين من قبلهم وأنه الذي خلق الأرض والسماء وينزل الغيث ونحو ذلك من صفات الرب وأفعاله التي يقرّ بها المشركون فكان ذلك إلزاماً لهم بتوحيد الألوهية واحتجاج عليهم بما يعرفونه ويقرون به من ربوبية الله تعالى قال تعالى: [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {لقمان:25}  .

وقال تعالى: [قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(85) ]. {المؤمنون}  .

وقال تعالى: [قُلِ الحَمْدُ للهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) ] {النمل} . 

وهذا استفهام إنكار يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبية الله عز وجل على وجوب توحيده في عبادته، ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه المستحق لأن يعبد وحده، ووبخهم منكراً عليهم شركهم به غيره... فاحتج الله عليهم بما أقروا به على ما أنكروه"([77]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو لم تكن المعرفة ثابتة في الفطرة لكان الرسول إذا قال لقومه: ادعوكم إلى الله، لقالوا مثل ما قال فرعون: وما رب العالمين؟ إنكاراً وجحداً... وفرعون لم يقل هذا لعدم معرفته في الباطن بالخالق، لكن أظهر خلاف ما في نفسه، كما قال تعالى: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ] {النمل:14}  ([78]). 

ومما يدل على فطرية المعرفة بالله تعالى اللجأ إليه عند الشدائد وسؤاله دفع الضر والمكروه، فإنه لا يتصور أن يشعر الإنسان بحاجته وفقره إلى خالقه إلا إذا شعر بوجوده، وإذا كان شعوره بحاجته وفقره إلى ربه ضرورياً لا يمكنه دفعه فشعوره بالإقرار بربه أولى أن يكون ضرورياً([79]).

لكن هناك صنف من الناس فسدت فطرهم أو تعرضت لما يغيرها، وهذه قضية واقعة وحقيقية وهي أمر منفصل وعارض طارئ وهو شيء وما أنزله الله في كتابه وبينه رسوله وشهدت بصحته العقول الصحيحة والفطر السليمة من فطرية وضرورة المعرفة بالله رباً وخالقاً شيء آخر، ومثل هؤلاء قد يحتاجون إلى الأدلة النظرية وسلوك مسلك النظار فيما صح من طرقهم فالإقرار بالخالق وبكماله يكون فطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته، ولكن قد يحتاج إلى الأدلة عليه بعض الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها.

كما أن هناك أسباب أخرى غير تغيّر الفطرة وفسادها، وذلك كعدم العلم بطريقة أخرى غير طريقة أهل الكلام أي الجهل بما دل عليه الكتاب والسنة، أو الأعراض عن طريقة الكتاب والسنة.

وبعض الناس قد لا تفرح نفسه بالمطلوب الذي يكون طريقه سهلاً ميسراً فإن من الناس من إذا عرف ما يعرفه جمهور الناس وعمومهم، أو ما يمكن غير الأذكياء معرفته، لم يكن عند نفسه متميزاً عنهم بعلم([80]).

وليس هناك أشمل ولا أوضح في الحكم بأن معرفة الله تعالى فطرية وضرورية من قوله تعالى: [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا] {الرُّوم:30}  ، وتفسير السلف للفطرة هنا هو بمعنى ما تقدم من الكلام([81]).

ويحكى عن شيخ النحاة سيبويه أنه عندما تحدث عن اسم الله تعالى "الله" قال: أعرف المعارف.



تقدم أن طوائف من المتكلمين وكذلك الباطنية والفلاسفة ينفون كثيراً من الصفات والأسماء والأفعال الإلهية الثابتة بالكتاب والسنة، وذلك لما تقرر عندهم من أن هذه الصفات والأفعال داخلة تحت مسمى الأعراض أو يلزم من إثباتها التحيّز وهو من خصائص الأجسام المؤلفة أو يلزم منها التجسيم وهو لا يكون إلا مؤلفاً من الجواهر الفردة وكل ذلك من صفات المحدثات التي ينزه الله تعالى عنها لكي لا نقع في التشبيه كما يقولون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن من نفى الصفات من الجهمية والمعتزلة والقرامطة الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة يقولون: إذا قلتم: إن القرآن غير مخلوق وأن لله علماً وقدرة وإرادة، فقد قلتم بالتجسيم، فإنه قد قام دليل العقل على أن هذا يدل على التجسيم، لأن هذه معاني ـ إعراض ـ لا تقوم بنفسها، لا تقوم إلا بغيرها"([82]).

وقال أيضاً: "قالت النفاة ـ نفاة الصفات والأفعال ـ إنما نفينا الصفات لأن دليلنا على حدوث العالم وإثبات الصانع دلَّ على نفيها، فإن الصانع اثبتناه بحدوث العالم، وحدوث العالم إنما أثبتناه بحدوث الأجسام، والأجسام إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الصفات التي هي الأعراض. أو قالوا: إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الأفعال التي هي الحركات (الأكوان الأربعة) وإن القابل لها لا يخلوا منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث؛ أو أن ما قبل المجيء والإتيان والنزول كان موصوفاً بالحركة، وما اتصف بالحركة لم يخل منها أو من السكون الذي هو ضدها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا: إن الحادث لابد له من محدِث فأثبتنا الصانع بهذا"([83]).

أي أنهم لو وصفوه بالصفات أو بالأفعال القائمة به لجاز أن تقوم الأفعال والصفات بالقديم وعندها لا يكون دليلهم دالاً على حدوث الأجسام، فيبطل إثبات الصانع بدليل الحدوث ـ عندهم ـ وذكرت كلام ابن تيمية بطوله لأنه وصف دقيق لحقيقة خطوات ومراحل هذا الدليل الكلامي كما أنه ينبه على نتيجته وفي نفس الوقت على لوازمه الباطلة التي التزمها أهل الكلام، هذا إذا سلمنا لهم أن هذه اللوازم فعلاً تلزم من سلوك هذا المسلك في الاستدلال وسيكون النقد لهذا الدليل على مرتبتين إجمالي وآخر تفضيلي.

 


قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "طرق العلم بإثبات الصانع كثيرة، كلها أبين وأوضح من هذا الطريق ـ الجواهر والأعراض ـ وهي براهين قاطعة لا تحتمل النقض، فلا حاجة في الإقرار بالصانع إلى العلم بحدوث العالم المبني على حدوث الأجسام، بل ولا إلى العلم بحدوث العالم ابتداءً"([84]).

وقال أبو عبدالرحمن السلمي: "سمعت أبي يقول: قلت لأبي العباس ابن سريج: ما التوحيد؟ قال: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وتوحيد أهل الباطل: الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بُعث النبي e بإنكار ذلك"([85]).

وأخرج الهروي في ذم الكلام عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قيل له ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: "مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة"([86]).

ثم إن العلم بأن (المحدَث) لابد له من (محدِث) هو علم فطري ضروري في المعينات الجزئية، بل أبلغ مما هو في القضية الكلية، فإن الكليات: إنما تصير كليات في العقل بعد استقرار جزئياتها في الوجود، فليس العلم بالقضايا المعينة المخصوصة موقوفاً على العلم بتلك القضية الكلية العامة، بل القضايا الجزئية يسبق العلم بها في الفطرة العلم بالقضية الكلية، فهذه القضايا الجزئية لا يشك فيها أحد من العقلاء ولا يفتقر في العلم بها إلى دليل كعلم الإنسان أنه هو لم يحدث نفسه فإنه لا يتوقف على علمه بأن كل إنسان لم يحدث نفسه ولا على أن كل حادث لم يحدث نفسه، وكذلك إذا علم أن الشخص موجود علم أنه ليس بمعدوم وإذا علم أنه ليس بمعدوم علم أنه موجود، دون أن يعلم أو يستحضر بقلبه أن الوجود والعدم نقيضان، فالعلم بذلك فطري ضروري لا يحتاج أن يستدل عليه بمعنى أن الاستدلال عليها ليس شرطاً في العلم بها([87]).

ويقول الشهرستاني ـ وهو متكلم ـ بعد أن قرر أن للمتكلمين أحد طريقين في أثاث الصانع هي الحدوث أو الإمكان قال: "وأنا أقول ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى الحاجات فيرغب إليه ولا يرغب عنه ويستغنى به ولا يستغنى عنه، ويتوجه إليه ولا يعرض عنه... فإن احتياج نفسه أوضح له من احتياج الممكن الخارج إلى الواجب والحادث إلى المحدث"([88]).

ولهذا لم يأتي في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية إثبات الصانع بهذه الطريقة، بل جاء فيها استدلال الإنسان بوجوده على وجود خالقه وهكذا سائر المخلوقات،ـ كقوله تعالى: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ] {الطُّور:35}  ، وقوله تعالى: [أَوَلَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا] {مريم:67}  ، فكل إنسان يعلم يقيناً أنه لم يكن شيئاً ثم كان بعد أن لم يكن، ويعلم أنه لم يصنع نفسه ولم يبدعها، وكذلك يعلم أنه لم يكن من غير مكوّن ولا خلق من غير خالق، والعلم بهذا من أبين العلوم البديهية فتعين أن له خالقاً خلقه ومكوناً كونه. 

وقد اعتبر السلف والمحققين من علماء الإسلام مصطلحي (الجوهر والعرض) من المصطلحات الحادثة التي لا دليل من الشرع على التعبد بها والوقوف على حدودها، بل يجب أن تعرض على الحقائق الشرعية الثابتة بالنص فإن وافقتها فإنها تقبل لكن لابد من التعبير بالألفاظ الشرعية دفعاً للوهم والغلط، وإن دلت على معاني فاسدة وهو المتحقق في هذه المسألة فإنها ترفض لفظاً ومعنى، ولو سلمنا جدلاً بصحة معناها لاسيما وأن هناك مَنْ يبنون عقائدهم على هذا الاستدلال، فذلك ليس بأعظم مما جاءت به النصوص مما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه وسمى بتلك الأسماء ووصف بتلك الأوصاف بعض خلقه، فالاشتراك في الأسماء لا يوجب الاشتراك في المسميات، فالمعاني المشتركة لا توجد إلا مطلقة فإذا أضيفت وقيدت تخصصت بما أضيفت إليه وانتفى التماثل المحذور شرعاً، هذا ردٌ إجمالي على ما يدعيه المتكلمون ومن وافقهم من أن دليل الجواهر والأعراض يحيل عقلاً إثبات الصفات والأفعال الإلهية لأنه يفضي إلى التمثيل فيبطل الدليل على حدوث العالم، ومرجع هذا الرد الإجمالي يرجع إلى قاعدة سلفية مجمع عليها وهي: أن الصفات معلومة المعنى مجهولة الكيف، فمعاني الصفات معلومة كالوجه واليد والقدم والأصبع والعين والاستواء والنزول والمحبة والغضب والعجب والضحك والعلو، لكن كيفية اتصاف الله بها إن كانت ذاتية أو كيفية قيامها بذاته إن كانت فعليه هذا هو الذي لا نعلمه وهذا لا يقدح في العلم بأصل معاني تلك الصفات مع القطع بأن لا مثيل له تعالى في ما يتصف به وهذا القدر كافٍ في الإثبات والتنزيه، بل يكفي في نفي التمثيل أن يقال: هذا خالق وهذا مخلوق، فلا حاجة إلى تلك المسالك الغامضة التي تفضي إلى القول في الله وعلى الله بلا علم ولا بينة، ثم إن إثبات الصانع له طرق لا تحصى، بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري ضروري مغروز في الجبلة، ولهذا كانت دعوة عامة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامة الأمة مقرين بالصانع مع إشراكهم به بعبادة غيره معه، فمعرفة الله فطرية، وكما قيل: إن للاستدلال على الله طرائق بعدد أنفاس الخلائق([89]).

ثم إن هذا الدليل فيه من الغموض والخفاء ما يصعب على العلماء مع اشتماله على باطل: إما في الحكم، وإما في الدليل، فمقدماته إما باطلة وإما غير مدلول عليها.

فهذه الطريقة مما يعلم بالإضطرار أن الإسلام لم يأتي بها ولم يدع الناس إلى الإقرار بالخالق وبنبوة أنبيائه عن طريقها، وليست طريقة سلف الأمة، بل هي محرمة عندهم، والمحققون من المتكلمين يعلمون أنها باطلة وفي مقدماتها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدّعى بها مطلقاً([90]).


1-    أن حقيقة المعرفة بالشيء إنما هي بالوقوف عليه بالعلم على ما هو به، وإذا كان المطلوب العقيدة في الله فلابد من إسناد ذلك إلى الدليل الصحيح، فإذا كان الدليل لا يدخل تحت طاقة عموم المكلفين، كان ذلك تكليفاً بما لا يطاق وهو منتفٍ في الشريعة وخلاف ما نص الله عليه، وهذا الأمر متحقق في مسلك الاستدلال بالجواهر والأعراض([91]).

2-    أن هذا الدليل ـ الجواهر والأعراض ـ لم يستدل به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين، فلو كانت معرفة الرب تعالى موقوفة عليه للزم أن يكونوا غير عارفين بالله ولا مؤمنين به، وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين([92]).

3-    أن بطلان هذا الدليل المعين ـ الجواهر والأعراض ـ لا يستلزم بطلان جميع الأدلة، وإثبات الصانع له طرق كثيرة لا يمكن ضبط تفاصيلها وإن أمكن ضبطها إجمالاً([93]).

4-    أن حقيقة الإيمان العائد إلى المعتقد هي طمأنينة النفس وسكون القلب إلى معرفة ما يعتقد بإسناد ذلك إلى دليل يصلح له وهذا لا يعدم في حق أحد من العامة، فلو قيل لأحد العوام: بما عرفت ربك؟ لقال: بأنه انفرد ببناء هذه السماء ورفعها فلا يشاركه في هذا موصوف بجسم ولا جوهر([94])، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: [وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ] {الغاشية:18}  .

5-    إن المتكلمين أو هموا بعباراتهم من لا يعرف حقيقة أقوالهم، فجاءت عباراتهم كأنها التنزيه المطلوب الذي لا محذور فيه ولبّسوا على العامة وعلى من يحسن الظن بهم من الاتباع، فهذا الدليل ـ الجواهر والأعراض ـ أنتج عبارات ظواهرها قد تكون مقبولة لو كانت لا تحمل معنى مغايراً لحقائق الكتاب والسنة وإجماع السلف.

فمثلاً:

‌أ-      قالوا: "إن الله منزه عن الأعراض" وظاهرها أنه منزه عن الاستحالة والفساد، كالأعراض والأمراض التي تعرض لبني آدم، ولا ريب أن الله منزه عن ذلك.

لكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام ولا غير ذلك من الصفات القائمة به، لأنهم يسمون ذلك أعراضاً.

‌ب- قالوا: "إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات" وأوهموا الناس أن مقصودهم أنه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات، وهذا صحيح.

لكن مرادهم هو أنه ليس في العلو ولا مستوٍ على العرش وليس مبايناً للخلق ولا منفصلاً عنه وغير ذلك من الضلال المبين.

‌ج-  قالوا: "ليس بجسم" وأوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات ولا مثل أبدانهم، وهذا المعنى صحيح.

ولكن مقصودهم من ذلك الذي يصرحون به أنه لا يُرى ولا يتكلم ولا تقوم به صفة وليس في العلو ولا يأتي لفصل القضاء ولا ينزل إذا شاء إلى السماء الدنيا وغير ذلك مما يعتقدونه من معاني الجسمية التي يجب نفيها بهذا الدليل المشئوم.

‌د-    قالوا: "لا تحله الحوادث" وأوهموا الناس أن مرادهم أنه ليس محلاً للاستحالات والنقائص، كالجهل والعمى والصمم والبكم، والتغيرات التي تحدث بالمخلوقين، وهذا المعنى صحيح.

لكن مرادهم أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان أو مجئ، وأن الفعل عين المفعول والخلق عين الخلوق فلم يقم به فعل ولا صفة الخالقية([95]).

والسبب الذي جعل هذا الباطل يروج على كثيرين هو أن الألفاظ السابقة كلها ألفاظ مجملة مما اصطلح عليه أهل الكلام، فيضمنونها من معانيهم الباطلة الناتجة من منهجهم الاستدلالي في الاعتقاد فإذا لم يكن للسامع معرفة بحقائق علوم هؤلاء ربما وافقهم على ما يقولون ووقع في الخطأ.

وكل هذا الانحراف الذي يقرره أهل الكلام اعتماداً منهم على مقتضيات دليل الجواهر والأعراض أمر مرفوض عند سلف الأمة لمخالفته الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على إثبات أسماء وصفات الله وأفعاله بلا تمثيل وتنـزيهه عن النقائص بلا تعطيل وعملاً بالمبدأ العقلي الذي لا يمكن دفعه وهو أن القول في الصفات كالقول في الذات يحذى فيه حذوه ويقتفى فيه أثره، وكذلك القول في الصفات كالقول في بعض وهنا يظهر سلامة المنهج واتفاق الأصل مع الفرع وذلك لسلامة المصدر وحسن الأخذ عن الله وعن رسوله e وليس المقصود هنا بحث هذه المسائل تفصيلاً فإنها قد بحثت وبسطت في كتب السلف من المتقدمين والمتأخرين، ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أكثر من حقق مذهب السلف في ردوده على المتكلمين وإبطال كثير مما يقررونه من الآراء وينسبونه إلى الإسلام وليس الأمر كذلك، ولم يكن هذا في وسع ابن تيمية لولا توفيق الله أولاً ثم دراسته العميقة لعلم الكلام والفلسفة هذه الدراسة التي كان الغرض منها إحقاق الحق وإبطال الباطل فنفع الله بذلك أهل الإسلام وكان حاله وحال أهل الكلام نبوءة قوله e : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"([96]) .

6-    أن أبا الحسن الأشعري وهو إمام المتكلمين الأشاعرة ينكر هذه الطريقة في الاستدلال على حدوث العالم ووجوب محدثة لما فيها من الخطأ والتعقيد والغموض فقد قال في رسالته إلى أهل الثغر: "وكان ما يُستدل به من أخباره e على ذلك (أي حدوث العالم) أو ضح دلالة من دلالة الأعراض التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة ومن اتبعها من القدرية، وأهل البدع المنحرفين عن الرسل عليهم السلام، من قِبل أن الأعراض لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها ويدق الكلام عليها..."([97]).

7-    إن ما قرروه من (تماثل الأجسام) ليس محل اتفاق بل هم معارضون فيه، بل الصحيح خلافه وهو قول كثير من أهل الكلام أيضاً، فالعقل واللغة التي نزل بها القرآن تبين أن الإنسانين مع اشتراكهما في أن كلاً منهما جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق ضحاك بادي البشرة ـ قد لا يكون أحدٌ منهم مثل الآخر، كما قال تعالى: [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38}  أي أمثال المخاطبين مع اشتراكهم فيما تقدم، فكيف يكون في لغة القرآن أن كل إنسان مماثل للإنسان بل مماثل لكل حيوان، بل مماثل لكل جسم نام حساس، بل مماثل لكل جسم مولد عنصري، بل مماثل لكل جسم فلكي وغير فلكي، بل السماء مثل الأرض، والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل البحار، والهواء مثل الماء، والفرس والحمار مثل السفرجل والرمان وغير ذلك من الهذيان! ([98])

8-    إن قولهم: (العرض لا يبقى زمانين): هذا القول خالفهم فيه كثيرٌ من المتكلمين، قال ابن تيمية: "وأما ما اعتمد عليه طائفة منهم أن العرض لو بقي لم يمكن عدمه، لأن عدمه إما أن يكون بإحداث ضد، أو بفوات شرط، أو اختيار الفاعل، وكل ذلك ممتنع، فهذه العمدة لا يختارها آخرون منهم، بل يجوزون أن الفاعل المختار يعدم الموجود، كما يحدث المعدوم، ولا يقولون إن عدم الأجسام لا يكون إلا بقطع الأعراض عنها..."([99]).

بل إن هذا القول وهو عدم بقاء الأعراض مخالف للحس ولما عليه عقلاء بني آدم، فإن العلم ببقاء الأعراض من الألوان والأشكال سيما الأعراض القائمة بالنفس كالعلوم والإداركات وكثير من الملكات هو بمنزلة العلم ببقاء بعض الأجسام من غير تفرقة وهو علم ضروري([100]).

9- إن قولهم: "ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، وامتناع حوادث لا أول لها":

فهذا الكلام فيه إجمال ويشتمل على حق وباطل وهو منشأ غلط كثير من الناس فالذي يفهمه الناس من هذه العبارة المتقدمة هو: أن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن لم يكن، وأن الله وحده هو الأول الذي لا شيء قبله فهو المختص بالقدم كما اختص بالخلق والإبداع والألوهية والربوبية، وهذا هو المعروف في القرآن الكريم وسنة النبي e وعليه سلف الأمة وهو الحق لا شك فيه.

لكن المتكلمين مع إقرارهم بما تقدم إلا أنهم يفترضون زماناً ليس فيه فعل لله تعالى ولا خلق ولا كلام ولا إرادة بل ولا قدرة.

لامتناع حوادث لا أول لها؛ لأنه لو قيل بقدرة الله على الخلق والكلام والفعل في الأزل لاستلزم صحة القول بقدم العالم إذ ما من زمن يفترض فيه خلق العالم إلا وجائز أن يقع الخلق قبل ذلك الزمن.

ثم حدثت الحوادث من غير سبب يقتضي ذلك إلا الإرادة القديمة ـ عندهم ـ([101]) فهذا المعنى هو الذي يقصده أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم بقولهم: "ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، وامتناع حوادث لا أول لها" وهذه العبارة أحد نوعيها حق والآخر ليس كذلك كما تقدم، فإن أُريد به أن ما لا يسبق الحادث المعين أو الحوادث المعينة المحصورة أو الحوادث التي يعلم أن لها ابتداء، فمعلوم أن ما لم يسبق هذا، أو لم يخلُ من هذا لا يكون قبله، بل يكون معه أو بعده، فيكون حادثاً.

وإن أُريد به أن ما لم يخل من الحوادث المتعاقبة التي لم تزل متعاقبة يكون حادثاً، فهذا مبني على أصلين.

الأول: هل يمكن وجود هذا أو لا يمكن، بمعنى: هل يمكن وجود حوادث متعاقبة شيئاً بعد شيء لا ابتداء لها ولا انتهاء؟

الثاني: علاقة هذه القضية بصفات الله تبارك وتعالى.

السلف قالوا بأن هذا ممكن، ولا يلزم من هذا أن تكون المخلوقات لم تزل مع الخالق، فإنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له، فلكل خلق أول، والخالق سبحانه لا أول له، فهو الخالق وحده وما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.

فليس في الكتاب ولا في السنة أن الرب ـ تعالى ـ لم يكن له الفعل ممكناً في الأزل، أو أنه لم يزل معطلاً عن الفعل والكلام ثم إنه صار قادراً فاعلاً متكلماً بعد أن لم يكن([102]).

فكما أنه تعالى في ذاته لم يزل ولا يزال لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء له، بل هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء فهو كذلك بذاته وصفاته وأفعاله لم يزل كذلك ولا يزال كذلك حياً قادراً مريداً خالقاً متكلماً، والفعل ممكن له بموجب هذه الصفات([103]).

فقول أهل الكلام أنه معطل عن الفعل في وقت ثم حدث له الفعل، فيه تنقص لله يجب أن ينزه عنه ولو أن المتكلمين قالوا بمقولة السلف أنه ما من مخلوق إلا والله تعالى خالقه وما ثم إلا خالق ومخلوق فإن ذلك يكفي في إثبات حدوث العالم دون الدخول في غِمار المذاهب الخطرة.

قال ابن تيمية: "وامتناع حوادث لا أول لها طريقة مبتدعة في الشرع باتفاق أهل العلم والسنة، وطريقة مخطرة مخوفة في العقل بل مذمومة عند طوائف كثيرة وإن لم يعلم بطلانها لكثرة مقدماتها وخفائها.. وهي طريقة باطلة في الشرع والعقل"([104]).



 

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان... وبعد:

فقد اتضح من ثنايا البحث في هذا الموضوع أن الاعتماد على دليل الجواهر والأعراض كدليل أساس واصل لمعرفة حدوث العالم أمر لا دليل عليه من الكتاب والسنة، وهو وإن صح كعنوان رئيس ـ الله خالق كل شيء ـ إلا أنه اشتمل على مقدمات ومبادئ وتفاصيل لا تصح ولا دليل عليها بل هي مخالفة للنقل والعقل والحس، فأصل الدليل وهو انحلال الأجسام إلى الجزء الذي لا يتجزأ ثم ملازمة الجوهر أو الجسم للعرض بالمفهوم الكلامي أمر ليس من اليقينيات وحاصله وما يمكن أن ينتج عنه أن العالم حادث ومخلوق، وهذا الأمر يحصل بأهون وأيسر من تلك الطريقة، وهو علم الإنسان بنفسه وأنه كائن بعد أن لم يكن وأن له خالقاً أحدثه وأوجده بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً.

وقد نتج عن القول بهذا الدليل أمور باطلة منها:

1-       مخالفة منهج القرآن القائم على الوسطية والاعتدال واليسر في جميع أبواب العلم ومن ذلك العلم بحدوث العالم وخلق الإنسان.

2-       نتج عن هذا الدليل المبتدع نفي وتأويل الكثير من صفات الله وأسمائه وأفعاله، لأنها أصبحت عند هؤلاء من قبيل الأعراض، أو لا تقوم إلا بجسم، أو يلزم من إثباتها لوازم الجسمية والحدوث... إلخ، فحجبت القلوب عن معرفة بارئها وخالقها وأحيلت على أوهام المتكلمين وتحريفاتهم التي يسمونها تأويلاً، فتعطلت القلوب والأبدان من العلم النافع والعلم الصالح، وهذا أمر يعرفه من خبر حال هؤلاء المشتغلين بمثل هذه المسائل المبتدعة.

3-       كما أن المتكلمين عطلوا الرب عن الفعل والخلق والكلام ثم أنه وقع من الفعل والخلق والكلام بعد ذلك، كل ذلك حفاظاً منهم على انتظام دليل الجواهر والأعراض الذي لا ينتظم إلا بالقول بامتناع حوادث لا أول لها، وهذا خلاف ما عليه سلف الأمة وهو الذي دلَّ عليه القرآن والسنة من أن الله لم يزل فاعلاً خالقاً قادراً عالماً لم يستفد ذلك بعد خلق الخلق، بل هو الأول بذاته وصفاته كما أنه الآخر بذاته وصفاته سبحانه وتعالى.

4-       إن السلامة في الاعتصام بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة في القول والاعتقاد والعمل ففي ذلك الدلالة الأكيدة والأمينة على العلم النافع والعمل الصالح بخلاف ذلك من آراء الناس وأهوائهم التي لا حجة فيها.

5-       إن هذه القضايا الكلامية وغيرها مما يقرره علماء الكلام تحتاج إلى المزيد من الدراسات والبحوث التفصيلية المقارنة فخطرها جسيم ومشاهد في الحياة الإسلامية وهي أحد أسباب تفرق الأمة، وقد أرشدنا الله تعالى بالرد إليه وإلى سنة رسوله عند التنازع، والحق عليه نور وتشاهده الفطرة السليمة كما تشاهد العين نور الشمس، ولا سبيل لتحقيق هذا الأمر إلا بنبذ التعصب ثم التجرد لطلب الحق من مصادره ومن كان كذلك فهو جدير بالتوفيق للهداية.

والله أعلم، والحمد لله أولاً وأخراً وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم تسليماً.

 



 

1-        أبكار الأفكار، للآمدي،  تحقيق د. أحمد المهدي، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، 1423هـ، القاهرة.

2-        إحياء علوم الدين للغزالي، دار المعرفة، بيروت.

3-        الإرشاد، للجويني، تحقيق: د. محمد يوسف موسى وعلي عبدالمنعم، مكتبة الجانجي، 1369هـ، مصر.

4-        الإرشاد، للجويني، تحقيق: محمد يوسف موسى وعلي عبدالحميد.

5-        أصول الدين للبغدادي (59).

6-        أصول الدين، للبغدادي، ط الثالثة، 1401هـ، مصورة عن الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت.

7-        أضواء البيان، للشنقيطي، ط 1403هـ، طبعة الأمير أحمد بن عبدالعزيز.

8-        الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي،  تحقيق: عبدالله الخليلي، ط الأولى 1424هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

9-        الإنصاف للباقلاني،  تحقيق، محمد زاهد الكوثري، ط الثالثة، 1413هـ، مكتبة الخانجي، القاهرة.

10-  الإنصاف، لأبي بكر الباقلاني، تحقيق: عماد الدين حيدر، ط الأولى 1407هـ، عالم الكتب، بيروت.

11-  تاريخ الفلسفة الإسلامية، د. ماجد فخري 1974م، بيروت.

12-  تاريخ الفلسفة في الإسلام، لديبور،  ترجمة: د. عبدالهادي أبو ريدة، ط الخامسة، مكتبة النهضة المصرية.

13-  التذكرة في أحكام العرض والجوهر، لابن متويه تحقيق: د. سامي لطف و د. فيصل بدير، ط 1975م، دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة.

14-  التسعينية، لابن تيمية، تحقيق: د. محمد العجلان، ط الأولى 1420هـ، مكتبة دار المعارف، الرياض.

15-  التعريفات، للجرجاني، تحقيق: محمد القاضي، ط الأولى 1421هـ، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة.

16-  تفسير الطبري، ط الثالثة، 1388هـ، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة.

17-  التمهيد في أصول الدين، لأبي المعين النسفي، تحقيق: د. عبدالحي قابيل، دار الثقافة للنشر، القاهرة، 1426هـ.

18-  الحدود الفلسفية للخوارزمي الكتاب، ضمن مجموع المصطلح الفلسفي، د. الأعسم.

19-  الحدود والرسوم، للكندي،  ضمن مجموع المصطلح الفلسفي عند العرب، د. الأعسم، ط الثانية 1989م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.

20-  الحدود، لابن سيناء، فمن المجموع الفلسفي، د. الأعسم.

21-  الحدود، للخوارزمي، ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب، تحقيق: د. الأعسم.

22-  درء التعارض لابن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي ومحي الدين عبدالحميد، ط الأولى 1370هـ، مطبعة السنة المحمدية، مصر.

23-  درء تعارض العقل والنقل، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى، 1401هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.

24-  الرد على المنطقيين، لابن تيمية، مراجعة، محمد طلحة ضياء، ط الأولى ، 1426هـ، مؤسسة الريان، بيروت.

25-  رسالة إلى أهل الثغر، للأشعري، تحقيق: عبدالله شاكر الجنيدي، ط الأولى ، 1409هـ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.

26-  الشامل في أصول الدين، للجويني، تحقيق: علي النشار وآخرون 1969م، منشأة المعارف، الأسكندرية.

27-  الشامل، للجويني (167) وشرح المواقف للجرجاني (5/40-41) والمسألة محل خلاف بين المتكلمين أنفسهم.

28-  شرح الأصول الخمسة له أيضاً (459).

29-  شرح الأصول الخمسة،  للقاضي عبدالجبار بن أحمد، تحقيق د. عبدالكريم عثمان، ط ، الثالثة، 1416هـ، مكتبة وهبة القاهرة.

30-  شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبدالجبار. 

31-  شرح العقائد العضدية، للكلنبوي، دار سعادت، 1316هـ، المطبعة العثمانية.

32-  شرح العقائد النسفية بحاشية الخيالي، لسعد الدين التفتازاني، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة.

33-  شرح العقيدة الأصفهانية، مطبعة كردستان العلمية، 1329هـ، القاهرة.

34-  شرح المواقف للجرجاني بحاشية السيالكوتي والحلبي، صححه/ محمود عمر الدمياطي، ط الأولى 1419هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

35-  شرح معالم أصول الدين، لشرف الدين التلمساني،  تحقيق نزار حماد، ط الأولى 1431هـ، دار الفتح للدراسات والنشر، الأردن.

36-  شفاء العليل، لابن القيم، ط الأولى 1407هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

37-  الصفدية، لابن تيمية.

38-  الصفدية، لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى، 1421هـ، دار الهدي النبوي، مصر.

39-  ضمن المصطلح الفلسفي للأعسم.

40-  الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم خرم، مكتبة المثنى، بغداد.

41-  في الأصل "المحترك".

42-  الكليات، لأبي البقاء الكفوي، تحقيق: د. عدنان درويش ومحمد المصري، ط الثانية، 1432هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.

43-  لباب المحصل، لابن خلدون،  تحقيق: د. رفيق العجم، ط الأولى 1995م، المكتبة المشرقية، بيروت.

44-  لسعد الدين التفتازاني (47).

45-  لمع الأدلة، للجويني، تحقيق: د. فوقية حسين، ط الأولى، 1385هـ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، مصر.

46-  لنبوات، لابن تيمية، ط الأولى، 1346هـ، المطبعة المنبرية، القاهرة.

47-  المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدي، ضمن مجموع المصطلح الفلسفي.

48-  مجموع الفتاوى (6/50).

49-  مجموع الفتاوي، جمع: عبدالرحمن بن قاسم، 1398هـ، الرياض.

50-  المحصل، لفخر الدين الرازي،  تحقيق: د. حسين أتاني، ط الأولى 1411هـ، مكتبة دار التراث القاهرة.

51-  المحلى بالآثار، لابن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 

52-  مختصر كتابه (الانتصار لأهل الحديث) ضمن كتاب صوت المنطق والكلام، للسيوطي، تعليق: علي سامي النشار، ط الأولى، مطبعة السعادة مصر.

53-  مدارج السالكين، لابن القيم، ط الأولى 1410هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.

54-  مسألة حدوث العالم، لابن تيمية، تحقيق: يوسف المقدسي، ط الأولى 1433هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت.

55-  المطالب العالية، للرازي، تحقيق: أحمد السقا، ط الأولى، 1407هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.

56-  معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الجبل، بيروت.

57-  المغني في أبواب العدل والتوحيد، للقاضي عبدالجبار، تحقيق: أحمد الأهوائي وتوفيق الطويل وآخرين، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة.

58-  مفاتيح العلوم، للخوارزمي (18) تحقيق: نهى النجار، 1993م، دار الفكر اللبناني، بيروت.

59-  مقالات الإسلاميين، للأشعري، تحقيق: ريتد، ط الثالثة 1980م، فرانز شتايز بفيسبادن، جمعية المستشرقين الألمان.

60-  مقدمة ابن خلدون، تحقيق: حجر عاصي، 1988م، دار الهلال، بيروت.

61-  الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، 1387هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.

62-  المنقذ من الضلال، للغزالي، تحقيق، صليبا وعياد، ط العاشرة، 1409هـ، دار الأندلس بيروت.

63-  المواقف في علم الكلام،  لعبدالرحمن الايجي، عالم الكتب، بيروت.

64-  نهاية الإقدام في علم الكلام، حرره وصححه، الفرد جيوم.

65-  نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني، حرره وصححه، الفرد جيوم، طبعة مصورة عن طبعة ليدن.

66-  وشرح المقاصد، مسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق: د. عبدالرحمن عميرة، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.

 


فهرس الموضوعات

 

























 




([1] )   انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم خرم (1/15) مكتبة المثنى، بغداد، وشرح المواقف، للجرجاني (2/294) وتاريخ الفلسفة في الإسلام، لديبور (84) ترجمة: د. عبدالهادي أبو ريدة، ط الخامسة، مكتبة النهضة المصرية، وتاريخ الفلسفة الإسلامية، د. ماجد فخري (58) 1974م، بيروت.
([2] )   انظر: الإرشاد، للجويني (358) تحقيق: محمد يوسف موسى وعلي عبدالحميد، مكتبة الخانجي، مصر، 1369هـ والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (67-68) تحقيق: عبدالله الخليلي، ط الأولى 1424هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
([3] )   شرح الأصول الخمسة (39) للقاضي عبدالجبار بن أحمد، تحقيق د. عبدالكريم عثمان، ط ، الثالثة، 1416هـ، مكتبة وهبة القاهرة.
([4] )   المواقف في علم الكلام (32) لعبدالرحمن الايجي، عالم الكتب، بيروت.
([5] )   شرح المواقف، للجرجاني (1/123).
([6] )   المحصل، لفخر الدين الرازي (130) تحقيق: د. حسين أتاني، ط الأولى 1411هـ، مكتبة دار التراث القاهرة.
([7] )   لباب المحصل، لابن خلدون (44) تحقيق: د. رفيق العجم، ط الأولى 1995م، المكتبة المشرقية، بيروت.
([8] )   الإنصاف للباقلاني (22) تحقيق، محمد زاهد الكوثري، ط الثالثة، 1413هـ، مكتبة الخانجي، القاهرة.
([9] )   أبكار الأفكار، للآمدي (1/155) تحقيق د. أحمد المهدي، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، 1423هـ، القاهرة.
([10] )   انظر: شرح المواقف للجرجاني بحاشية السيالكوتي والحلبي (1/282 ـ 283) صححه/ محمود عمر الدمياطي، ط الأولى 1419هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
([11] )   انظر: المنقذ من الضلال، للغزالي (95) تحقيق، صليبا وعياد، ط العاشرة، 1409هـ، دار الأندلس بيروت، والملل والنحل، للشهرستاني (1/196) تحقيق: محمد سيد كيلاني، 1387هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، وشرح العقائد العضدية، للكلنبوي (1/221) دار سعادت، 1316هـ، المطبعة العثمانية.
([12] )   انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (3/17) دار المعرفة، بيروت، مقدمة ابن خلدون (290-291) تحقيق: حجر عاصي، 1988م، دار الهلال، بيروت.
([13] )   المغني في أبواب العدل والتوحيد، للقاضي عبدالجبار (17/93) تحقيق: أحمد الأهوائي وتوفيق الطويل وآخرين، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة.
([14] )   شرح الأصول الخمسة (88-89) وانظر المرجع نفسه (194) كلاماً مشابهاً لهذا النص.
([15] )   الإرشاد، للجويني (358).
([16] )   الاقتصاد في الاعتقاد (67-68).
([17] )   الاقتصاد في الاعتقاد (121).
([18] )   انظر: شرح معالم أصول الدين، لشرف الدين التلمساني (167) تحقيق نزار حماد، ط الأولى 1431هـ، دار الفتح للدراسات والنشر، الأردن.
([19] )   انظر: المغني، لعبدالجبار (17/94)، وشرح الأصول الخمسة له أيضاً (459)، والمحصل في أصول الدين، للرازي (50-51).
([20] )   منهاج السنة النبوية (8/5) وانظر: درء التعارض (8/98).
([21] )   الحدود والرسوم، للكندي (191) ضمن مجموع المصطلح الفلسفي عند العرب، د. الأعسم، ط الثانية 1989م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
([22] )   الحدود الفلسفية للخوارزمي الكتاب (217) ضمن مجموع المصطلح الفلسفي، د. الأعسم.
([23] )   الحدود، لابن سيناء (249) فمن المجموع الفلسفي، د. الأعسم،
([24] )   لمع الأدلة، للجويني (77) تحقيق: د. فوقية حسين، ط الأولى، 1385هـ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، مصر، وانظر: الإرشاد، له (17) تحقيق: د. محمد يوسف موسى وعلي عبدالمنعم، مكتبة الجانجي، 1369هـ، مصر.
([25] )   الحدود، لأبي حامد الغزالي (295) ضمن مجموع، د. الأعسم.
([26] )   المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدي (369-370) ضمن مجموع المصطلح الفلسفي،          د. الأعسم.
([27] )   الكليات، لأبي البقاء الكفوي (287) تحقيق: د. عدنان درويش ومحمد المصري، ط الثانية، 1432هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
([28] )   التمهيد في أصول الدين، لأبي المعين النسفي (4) تحقيق: د. عبدالحي قابيل، دار الثقافة للنشر، القاهرة، 1426هـ.
([29] )   انظر: الشامل في أصول الدين، للجويني (49-50)، تحقيق: علي النشار وآخرون 1969م، منشأة المعارف، الأسكندرية.
([30] )   انظر: شرح العقائد النسفية بحاشية الخيالي، لسعد الدين التفتازاني (46-47) الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة.
([31] )   انظر: التذكرة في أحكام العرض والجوهر  (49-50) لابن متويه تحقيق: د. سامي لطف و د. فيصل بدير، ط 1975م، دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة، وأصول الدين، للبغدادي (54) ط الثالثة، 1401هـ، مصورة عن الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، والشامل في أصول الدين، للجويني (61-65).
([32] )   التعريفات، للجرجاني (162) تحقيق: محمد القاضي، ط الأولى 1421هـ، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة.
([33] )   المرجع السابق (63).
([34] )   لمع الأدلة، للجويني (77).
([35] )   الإرشاد، للجويني (17).
([36] )   شرح النسفية بحاشية الخيالي، لسعد الدين التفتازاني (47).
([37] )   الحدود، للغزالي (295) ضمن المصطلح الفلسفي للأعسم.
([38] )   الحدود، للخوارزمي (216) ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب، تحقيق: د. الأعسم.
([39] )   مفاتيح العلوم، للخوارزمي (18) تحقيق: نهى النجار، 1993م، دار الفكر اللبناني، بيروت.
([40] )   المواقف في علم الكلام، للإيجي (96-97).
([41] )   انظر: شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبدالجبار (95) وشرح المقاصد، مسعود بن عمر التفتازاني (1/173) تحقيق: د. عبدالرحمن عميرة، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
([42] )   شرح الأصول الخمسة  (92) باختصار.
([43] )   شرح الأصول الخمسة  (93) بتصرف يسير.
([44] )   انظر: أصول الدين، للبغدادي (37).
([45] )    المرجع السابق (55).
([46] )   شرح الأصول الخمسة (93).
([47] )   في الأصل "المحترك".
([48] )   شرح الأصول الخمسة (93) و (104) و (107).
([49] )   لمع الأدلة، للجويني (79) وانظر: الإرشاد (18).
([50] )   الإنصاف، لأبي بكر الباقلاني (28) تحقيق: عماد الدين حيدر، ط الأولى 1407هـ، عالم الكتب، بيروت.
([51] )   شرح النسفية، للتفتازاني (48-49).
([52] )   حاشية العصام على شرح النسفية للتفتازاني (49).
([53] )   انظر: شرح المواقف، للجرجاني (5/38-40). 
([54] )   الإنصاف، للباقلاني (27-28).
([55] )   انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (4/278)، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الجبل، بيروت.
([56] )   انظر: الشامل، للجويني (167) وشرح المواقف للجرجاني (5/40-41) والمسألة محل خلاف بين المتكلمين أنفسهم.
([57] )   انظر: شرح الأصول الخمسة (94-95).
([58] )   انظر: شرح الأصول الخمسة (95) وأصول الدين للبغدادي (59).
([59] )   انظر: الإنصاف، لأبي بكر الباقلاني (28-29) تحقيق: عماد الدين حيدر، والتمهيد في أصول الدين، لأبي المعين النسفي (4-5).
([60] )   الإنصاف، للباقلاني (28).
([61] )   انظر: شرح الأصول الخمسة (96-115).
([62] )   انظر: المواقف، للايجي (89).
([63] )   انظر: المواقف، للايجي (89).
([64] )   المرجع السابق (90) وشرح الأصول الخمسة، لعبدالجبار (96-98).
([65] )   انظر: شرح العقيدة الأصفهانية (34) مطبعة كردستان العلمية، 1329هـ، القاهرة.
([66] )   أخرجه البخاري ـ كتاب الإيمان ـ (25) ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ (22).
([67] )   نهاية الإقدام في علم الكلام (124) حرره وصححه، الفرد جيوم.
([68] )   أخرجه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ (1395) ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ (19).
([69] )   أخرجه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ (7372) ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ (19).
([70] )   انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/7) فقد نقله عن ابن المنذر.
([71] )   المحلى بالآثار، لابن حزم (1/2)، تحقيق: أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 
([72] )   انظر: مختصر كتابه (الانتصار لأهل الحديث) ضمن كتاب صوت المنطق والكلام، للسيوطي (171-172) تعليق: علي سامي النشار، ط الأولى، مطبعة السعادة مصر.
([73] )   درء التعارض (8/11).
([74] )   مدارج السالكين، لابن القيم (3/421) ط الأولى 1410هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
([75] )   نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني (123-124) حرره وصححه، الفرد جيوم، طبعة مصورة عن طبعة ليدن.
([76] )   انظر: لنبوات، لابن تيمية (65)، ط الأولى، 1346هـ، المطبعة المنبرية، القاهرة.
([77] )   أضواء البيان، للشنقيطي (1/37)، ط 1403هـ، طبعة الأمير أحمد بن عبدالعزيز.
([78] )   درء تعارض العقل والنقل (8/440) تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى، 1401هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.
([79] )   انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/532) و(3/309).
([80] )   انظر: الرد على المنطقيين، لابن تيمية (299) مراجعة، محمد طلحة ضياء، ط الأولى ، 1426هـ، مؤسسة الريان، بيروت.
([81] )   انظر: تفسير الطبري (11/21)، ط الثالثة، 1388هـ، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة.
([82] )   مجموع الفتاوي (6/44)، جمع: عبدالرحمن بن قاسم، 1398هـ، الرياض.
([83] )   مجموع الفتاوى (6/49).
([84] )   مسألة حدوث العالم، لابن تيمية (54) تحقيق: يوسف المقدسي، ط الأولى 1433هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت.
([85] )   التسعينية، لابن تيمية (3/789) تحقيق: د. محمد العجلان، ط الأولى 1420هـ، مكتبة دار المعارف، الرياض.
([86] )   صوت المنطق، للسيوطي (59-60).
([87] )   انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (1/47) و(2/9).
([88] )   نهاية الإقدام، للشهرستاني (125).
([89] )   انظر: منهاج السنة (4/270) ودلائل التوحيد، للقاسمي (191) وقد عقد تمهيداً نفيساً في طرق معرفة الله تعالى.
([90] )   انظر: مسألة حدوث العالم (55) لابن تيمية، ودرء التعارض (1/38).
([91] )   انظر: درء التعارض (4/95).
([92] )   انظر: درء التعارض (4/95).
([93] )   انظر: مجموع الفتاوى (6/50).
([94] )   المرجع السابق (6/50).
([95] )   انظر: درء التعارض (2/11-12) والمطالب العالية، للرازي (2/106-107) تحقيق: أحمد السقا، ط الأولى، 1407هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، وشرح المقاصد، للتفتازاني (2/70-71) والصفدية، لابن تيمية (1/130) تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى، 1421هـ، دار الهدي النبوي، مصر.
([96] )   أخرجه البخاري ـ كتاب الصلح ـ باب إذا اصطلحوا على جور ـ (2697)، ومسلم ـ كتاب الأقضية ـ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ـ (1718).
([97] )   رسالة إلى أهل الثغر، للأشعري (185-186) تحقيق: عبدالله شاكر الجنيدي، ط الأولى ، 1409هـ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.
([98] )   انظر: درء التعارض لابن تيمية (1/65) تحقيق: محمد حامد الفقي ومحي الدين عبدالحميد، ط الأولى 1370هـ، مطبعة السنة المحمدية، مصر. ومقالات الإسلاميين، للأشعري (2/308)، تحقيق: ريتر، ط الثالثة 1980م، فرانز شتايز بفيسبادن، جمعية المستشرقين الألمان.
([99] )   درء التعارض (1/21) تحقيق: محمد حامد الفقي.
([100] )   انظر: شرح المقاصد للتفتازاني (1/182).
([101] )   انظر: درء التعارض (1/68-69) تحقيق: محمد حامد الفقي، ومنهاج السنة (2/147-148) و (1/156).
([102] )   انظر: الصفدية، لابن تيمية (2/163) ودرء التعارض (2/267).
([103] )   انظر: درء التعارض (1/69) وشفاء العليل، لابن القيم (264-265) ط الأولى 1407هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
([104] )   منهاج السنة (1/303).

هناك تعليق واحد: